لم نميز بين السيارات الخاصة وسيارات الأجرة ( التكسي ) ، بسبب تأثير ضوء مصابيحها في عيوننا ، وسط ظلام دامس لليلة غير مقمرة ، وبشارع عام غير مضاء ، الوقت : الساعة الواحدة بعد منتصف الليل  ، ونحن في منطقة ذوق مصبح في بيروت حيث استديو قناة (mbc  ) الذي حضرت فيه مع صديق عزيز الحلقة الأخيرة من النسخة الأولى للبرنامج الغنائي محبوب العرب ( Arab Idol ) الذي توجت فيه الفنانة المصرية كارمن سليمان على حساب الفنانة المغربية دنيا بطمة في العام 2012 بدعوة كريمة من الزميل هشام غرايبه الذي يعمل ضمن فريق البرنامج  ، وبعد مرور ما يقرب الساعة توقفت سيارة تكسي واتفقنا مع سائقها على الأجرة لنقلنا الى محل اقامتنا ، لكن بعد وصولنا أخل السائق بالاتفاق ليطلب مبلغا أكثر من المتفق عليه ، وبعد أخذ ورد استغرق بضع دقائق تعصب صديقي وأغلق باب السيارة بقوة شديدة أزعجتني قبل أن تزعج السائق ، لحظتها هيأت نفسي لردة فعل شديدة من السائق الذي توقعت أن يسحب عصا غليظة من تحت مقعده كما هي حال سواقنا ، لكن توقعي لم يحدث ، اذ قابل السائق الموقف بأعصاب باردة ، وبصوت خفيض ردد كلمات عتب وهو ينظر الى صاحبي الذي أحمر وجهه من فرط الانفعال ، فما كان مني الا أن أعطيته الأجرة مع زيادة مبالغ بها .

ذكرني بهذه الحادثة مصطفى الفقي سكرتير الرئيس المصري الراحل حسني مبارك الذي وصف العراقي في بوست منشور على اليوتيوب بأن مزاجه حاد ، وبمجرد خلاف بسيط يتعصب ، ولا يستغرق تعصبه سوى دقائق معدودة ليتحول الى عراك تتشابك به الأيدي ، ويستخدم فيه ما يتاح من أدوات العنف ، طبعا كلامه دقيق ، اذ ينطبق هذا الوصف على غالبية العراقيين الذين يوصفون بلهجتنا العامية ( حوصلتهم صغيرة ) او ( بطونهم ضيقة ) او ( خشومهم يابسة ) للدلالة على مزاجهم الحاد ، وفقدانهم القدرة على التحمل ، على العكس من الشخصية المصرية التي يمكن أن يستمر الشجار ساعة كاملة والنتيجة ( فاشوشي ) .

مزاجنا الحاد من الحقائق غير القابلة للجدل والنقاش ، ولا يختلف ان كان العراقي داخل بلاده ام خارجها ، ومن العراقيين من يعد المزاج الحاد مرادفا للغيرة العراقية ، مع ان الحالتين مختلفتان تماما ، لذلك تراهم يفخرون بعدم تحمل العراقي عندما يكون خارج البلاد لأي موقف لا يرغب فيه ، او يتصور انه يشكل اهانة له ، فتُتخذ ردات فعله العاصفة حكايات للتفاخر يتناقلها العراقيون في جلساتهم ، مع ان الشخصية السوية تلك القادرة على التحكم في انفعالاتها ، والسؤال : لماذا مزاج الشخصية العراقية متشنج ؟

يعزو باحثون المزاج الحاد الى الظروف المناخية والطبيعية ، ذلك ان مراحل الانتقال بين الفصول الأربعة يكون هناك اتساع حراري ما بين ارتفاع شديد وانخفاض شديد ، وبسببه يميل العراقي الى العنف والتعصب في حل أغلب نزاعاته ، بينما يرجع عالم الاجتماع على الوردي ذلك الى حساسية الفرد العراقي الشديدة ازاء كرامته ، فضلا عن ازدواجية شخصيته ، فهو متعلم وقبلي ، ورافض ومستسلم في الوقت نفسه . وكذلك طغيان الصفة العشائرية على التحضر ، وانغلاق بعض المجتمعات الريفية على نفسها بعاداتها وتقاليدها وأعرافها ، ما أورثها عقلية متصلبة غير مرنة .

وكيف لا يكون مزاجنا حادا وقد لعبت بنا السياسة لعبا منذ أبصر العراقي الدنيا جنديا يسوقه ملك الجهات الأربع للقتال على شواطيء البحار ، الى تاريخ طويل من استبداد الحكام ، واحتلالات أجنبية متواصلة ، وصولا الى ما نحن فيه من ضياع جراء عملية سياسية فضفاضة تلاشت معها حتى الرؤية الهلامية لمستقبلنا ، نسبح في بحر من القلق ، ولا يمكن لمن يعيش قلقا مستديما أن يكون مسترخيا في تعاملاته . أظن ان مزاجنا غير الرائق هو حصيلة أفعال السياسة قبل الطبيعة والمناخ ، فهل نأمل بيوم ترطّب فيه السياسة مزاجنا ؟ .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *