عندما شاخ أبي لزم طريق المؤمنين، ولم يحِدْ عنه. ثم سافر إلى الحجّ، وعاد إلينا بحكمة من تلك الديار، وهي أن كلّ ما في الدنيا تسيّره المنفعة، حتى ربّ العالمين، إذا لم تطِعْه، وتؤدي له هذه الفروض، فأنت محروم من الدخول إلى جنة المسلمين. لا شيء مقابل لا شيء، وقديما قال شكسبير: لا شيء يأتي من لا شيء.
ذكّرني بهذا الكلام موقف الرئيس الأوكراني، الغازي، المغزوّ الآن في عين داره. فهو يطلب المساعدات والعون العسكريّ من جهة، ويؤيد الاحتلال الإسرائيلي لغزّة من جهة. لماذا؟ لأنه أحمق أولا، ولأن الدنيا مصالح، مثلما قال أبي رحمه الله. بيلينسكي يريد من أسرائيل السلاح، ويعينها في نفس الوقت على الباطل. كيف تسير الأمور في هذه الدنيا؟!
استبدل أبي في حياته الجديدة مقاهي شارع الرشيد ببيته في حيّ “العامريّة” في بغداد، وكان أن لزم الصلاة والصوم، بالإضافة إلى قراءة القرآن منذ الصباح إلى الليل، وفي شهر رمضان كان يتلو الآيات بصوت حلو يؤدي به الوقفات والمدّ والوصل، وغير ذلك، طوال الليل إلى وقت السحور. كان يمسك الكتاب العزيز حتى الختام، بعد أن ينوي إهداء هذا العمل إلى جدّه وأبيه وأمه وبقية أقاربه وأصدقائه. لكن ذكرى المقهى بقيت عزيزة على قلبه، وهكذا اختار أن يجمع عدد ال”ختمات” بطريقة الحساب المستعملة في لعبة”الآزنيف”، أربعة خطوط وعليها خطّ طوليّ مائل يساوي خمسة، وكانت قصاصة الورق التي تستقرّ على المنضدة أمام الحاجّ محسن ملّية بجوار الكتاب العزيز مشغولة بالعديد من هذه الأشكال الغريبة.
بايدن، رئيس أقوى دولة في العالم، والمورّط الرئيسي للشعب الأوكراني في هذه المحنة، يصلّي الآن من أجلهم، ويقرأ في الكتاب. كم بلغ عدد “ختمات” الرئيس الأمريكي حتى هذه اللحظة، وأيّ طريقة يستعملها في الحساب؟