منذ ستينات القرن الماضي لم أتوقف عن قراءة مذكرات لشخصيات بارزة عالمية وعربية وعراقية –
نهلتُ منها دروساً رائعة.. مثلما سَخِرتُ من العديد من المذكرات لما تضمنته من شطحات وافتراءات ونفاق وكذب وحتى تناقض وتزيف للتاريخ
كمذكرات نانسي ريغان زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق…… ومذكرات حازم جواد: وزير رئاسة الجمهورية ووزير الداخلية العام 1963
البعض يعيد طبع مذكراته وفق الظروف.. وبالتالي يحدث تناقضاً كبيراً في الأحداث والروى والمواقف.. فيفقد الشخص ماضيه بلا سبب.. كمذكرات خليل كنه (أحد وزراء العهد الملكي في العراق).. الذي أعاد كتابتها في العهد الجمهوري بشكل يناقض الأحداث ومواقفه
ما أثار اهتمامي مذكرات المهاتما غاندي.. وونستون تشرشل.. وشارل ديغول.. والملك حسين.. وإبراهيم كبه في كتابه: “هذا هو طريق 14 تموز”.. حيث أعدت قرأتً هذه المذكرات لهؤلاء العمالقة أكثر من مرة لما فيها من دروس وعبر
ووفق قاعدة كتابة المذكرات وهم أحياء.. أعطى أحد الوزراء المصريين صورة حية للواقع.. ففي مذكراته العام 1954 كتب هذا الوزير تحت عنوان “سنتان من أوهام الكراسي” سلطً فيها على أحداث سياسية واجتماعية عاشها هذا الوزير.. ومنها يقول: “بعد إعفائي من المنصب ذهبتُ في اليوم الثاني إلى مكان عملي لتقديم التهنئة إلى الوزير الجديد والتمنيات القلبية له بالتوفيق.. كذلك لتسليمه الملفات وبعض المتعلقات والقضايا التي لم تنجز وتستحق المتابعة
لكن هذا الوزير المعفي واجه خلال تلك الزيارة من المفاجآت لا تصدق حتى في الأحلام.. من أغربها.. كما يقول في مذكراته: “عندما دخلتُ غرفة مدير مكتب الوزير” الذي هو نفسه مدير مكتبي” وانه لأمرٍ مخجل أن أتحدث عن الجنيهات الخمسة التي كنتُ أدفعها له مساعدة شهرية” لان أسرته كبيرة ويرعى والدته المريضة” وفي كل مرة أقدم له المساعدة يجهش بالبكاء” ويدعو ليً بالتوفيق والعافية”.. إلا انه في ذلك اليوم منعني من الدخول إلى مكتبي” لأن الوزير الجديد وصل قبلي” ولم يتحرج هذا (الطرطور) عن مواجهتي بهذه العبارة: “آسف حضرة الباشا.. لقد جئتً من دون موعد مسبق مع معالي الوزير”….. بربكم كيف أردُ عليه
مثل هذا الموقف مرً بيً: أنا د . هادي حسن عليوي – كاتب هذه المقالة.. فبعد إحالتي على التقاعد أوائل العام 1984 راجعتُ المسؤول الجديد.. الذي شغل موقعي لأمر رسمي يخص العمل.. فمنعني مدير مكتب المسؤول الجديد.. وكان هو نفسه مدير مكتبي.. الذي كان يشيد بأخلاقي وعملي بشكل لا يصدق!! وقال ليَ بصلافة: أستاذ ليس لديك موعد مسبق
يبدو أن أفضل المذكرات هي التي يكتبها أصحابها وهم أحياء.. فبعد وفاته قد يتدخل الورثة في كتابتها فيشوهونها.. أو حتى يحرفونها في بعض الأحيان.. أو قد يحذفون بعض الحقائق منها.. لاعتقادهم إنها تسيء لصاحبها أو تسيء إليهم.. في حين قد تكون مهمة لتبيان حقائق تخص العامة والمجتمع والتاريخ
ووفق قاعدة كتابة مذكرات الأشخاص وهم أحياء.. عملتُ (أنا كاتب هذه المقالة) على كتابة أحداث كبيرة ومهمة.. سواء كانت خاصة بيً.. أو قضايا عامة وقعت أمامي.. أو شاركتُ بها بشكل أو بآخر.. كتبتها بحقيقتها مجردةً.. ولم ابرر أو أضخم مواقف وأحداث مرت بيً أو شاهدتها.. كما لم امدح أو أشيد بمن قدم ليً عوناً أو مساعدة.. ولم أذم أو أسيْ لم آذاني بكل الأشكال حتى في قطع رزقي.
واعتقد جازماً.. وفي كل الأحوال تعتبر “محطات في حياتي” دروساً وعبرة للقارئ مثلما تشكل جزء من تاريخ العراق بشكل أو بآخر.. نشرتُ معظمها في الصحف والمجلات على شكل حلقات: “محطات في حياتي”.. وإن شاء الله بعد استكمالها سأنشرها بكتاب.. متخذاً من الحقيقة الأساس في كتابتي.. حتى لو كان موقفي خطأ
ما يثير الاستغراب إن قاعدة (كتابة المذكرات وهم أحياء) لا تنطبق على الكثير من مذكرات لشخصيات سياسية عراقية أحياء كتبت مذكراتهم ونشرت في المرحلة الحالية.. لأنها تتضمن مبالغات وأموراً لم تحدث مطلقاً.. أو مخالفات لأبسط الحقائق والأحداث والوثائق
يمكن أن تكون كتابة المذكرات أيضًا طريقة للتخلّص من التوتّر.. عوضًا عن قيامك بصبّ مشاعرك السلبية المكبوتة على الآخرين من حولك في محاولة للتخلّص منها
تعتبر مذكرات الشخصيات العامة أمانة في عنق كاتبيها.. فهي جزء من التاريخ الوطني لكاتبها.. مثلما تشكل جزءاً من التاريخ العالمي
منذ ستينات القرن الماضي لم أتوقف عن قراءة مذكرات لشخصيات بارزة عالمية وعربية وعراقية.. نهلتُ منها دروساً رائعة.. مثلما سَخِرتُ من العديد من المذكرات لما تضمنته من شطحات وافتراءات ونفاق وكذب وحتى تناقض وتزيف للتاريخ (كمذكرات نانسي ريغان زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق).. ومذكرات حازم جواد: وزير رئاسة الجمهورية ووزير الداخلية العام 1963)
الأغرب إن كتابة المذكرات أودت بحياة العديد من الشخصيات فعلى سبيل المثال: صالح مهدي عماش.. نائب رئيس الجمهورية في عهد أحمد حسن البكر.. الذي تعهد أن يسكت ولن يكتب مذكراته.. لكنه مات مسموماً.. لأنهم شعروا انه يكتب بعض الملاحظات عندما أبعدوه سفيراً في إحدى الدول الإسكندنافية
كذلك اغتيل عبد الرزاق النايف.. رئيس وزراء انقلاب 17 تموز 1968.. بعد ثلاثة أيام من تسليمه مذكراته إلى الناشر في 8 تموز 1978 في لندن
النايف كتب في مذكراته تشير بطائفيته.. فنراه يقول: “في أيار/ مايو 1971.. انتخب رئيس العصابات البعثية صدام التكريتي أربعين شخصاً من أولاد الشوارع.. عاونه وساعده في اختيارهم رفيقه الجلاد الشعوبي ـ وهنا بيت القصيد (ناظم كزار).. المعروف بأن نغمة (الشعوبيين) طغت في وصم الشيعة بها أيام (عبد السلام عارف).. وتأججت أكثر في عهد البعث
ـ ويضيف النايف: وفي ختام الدورة التدريبية في شهر تشرين ثاني / نوفمبر/ العام 1971 التقى بهم الشعوبي الحاقد ناظم كزار جلاد “قصر النهاية”.. وعدو العنصر العربي في العراق.. وفي سائر الوطن العربي
ـ ويضيف الصحفي بالقول: الغريب في الأمر أن النايف يصور مجرماً مثل: ناظم كزار ينتقي ضحاياه من بين العراقيين على هواه ومن العرب فقط.. كما ظهر من مذكرات النايف
ـ إذا كان رأي عبد الرزاق النايف في صدام بأنه: (سرسري أو شلايتي).. كما ذكر ابنه علي.. فكيف يتفق النايف مع من هم على شاكلة صدام وصحبه للانقلاب على ابن مدينته الرئيس بالوراثة: عبد الرحمن عارف
يظل السؤال المعلق كما يقول الصحفي حازم الأمين هو: لو أنتصر خط النايف فهل يعقل أن يكون أنظف من خط غريمه في كره الشيعة والشيوعيين صدام حسين
كيف اغتيل النايف
ـ بدأ نظام البعث محاولات تصفية النايف منذ حزيران 1969 حيث يقول النايف كنا نقيم في جنيف.. وأكدت ليً زوجتي إن جميع أصدقائي نصحوها بترك المطار قائلاً: اترك جنيف فوراً وإلا قتلك البعثيون المجرمون
ـ العام 1972 اقترب الرصاص من النايف عندما فتح باب شقته في لندن فأمطره المسلحون بالرصاص.. أسعفه الحظ ونجا.. لكن الرصاصات أصابت زوجته لمياء
ـ استثمر النايف وجوده في البيت.. فأعاد تصحيح وتنقيح مذكراته ولم يبق شاردة أو واردة (له أو عليه) إلا وذكرها.. وسلم مذكراته الى الروائي احمد دايح الدوري لنشرها
ـ لم يمر على تسليمه المذكرات سوى ثلاثة أيام حتى اغتيل النايف في لندن.. كما اختفى احمد دايح ولم يعد له اثر حتى الآن
عن اغتيال النايف يتحدث نجل النايف (علي) قائلاً: وصلنا الى لندن في الأول من تموز 1978.. والدي وصل في السابع منه قادماُ من عمان.. أمضيتُ مع أبي يوماً جميلاً زرنا خلاله متحف الشمع ومتنزها للأطفال
ـ في اليوم التالي لم أره خرج صباحاً وعاد متأخراً في حدود العاشرة ليلاً.. ابلغ والدتي انه ذاهب لتناول العشاء فأصريتُ على مرافقته مع (………..) مسؤول المخابرات العراقية.. واعتقد في نادي “سبورتنج” واقتصر على ثلاثة
ـ التاسع من تموز التاسعة صباحاً قبلني والدي.. وقال ليً أنا خارج وسأعود في الحادية عشرة طلبتُ منه أن يصطحبني الى مكان معين فوعدني بذلك لدى عودته
ـ وفي الثانية عشرة اتصل وقال: انه آتِ الى المنزل في الرابعة عصراً وكنا ننتظر وفيما كنتُ أشاهد التلفزيون الذي قطع برنامجه ليعلن عن إصابة عبد الرزاق النايف
ـ وفي الحال ذهبنا الى المستشفى سألنا المحقق عما نعرفه قلنا انه ذهب الى فندق انتركونينتال ليلتقي عبد الحميد الخربيط (سفير العراق سابقا).. الذي ظهر في حياتنا في العام 1975 وكان يزعم الى انه يسعى لترتيب العلاقات بين السلطة ووالدي
كان والدي يلتقي مع مسؤول عراقي عندما يكون الخربيط معه في الفندق.. لكن عندما سأل والدي عنه في الفندق أجابوه: انه غادر عندها التقى المسؤول العراقي في غرفته
ـ كل ما نعرفه إن هذا المسؤول نزل مع والدي الى بهو الفندق مودعاً.. وعاد الى غرفته فور خروج والدي من الفندق كان القاتل بانتظاره وعاجله برصاصات عدة
ـ امسك بالقاتل واسمه (خالد احمد) عراقي سجن 25 سنة.. وقد أمسك به بواب الفندق.. أما المسؤول العراقي فقد غادر لندن ولم يظهر اسمه في التحقيقات.. وفي اليوم التالي توفى النايف متأثرا بإصابته
ـ أواخر سبعينيات القرن الماضي وخلال اجتماع للملاك الحزبي أجاب صدام حسين عن استفسار لكادر متقدم في الحزب عن مقتل النايف فقهقه (هه هه هه.. حنه اللي چتلناه !) أي نحن الذين قتلناه!!
– ويقال إن الفنانة سعاد حسني.. وكذلك الفنانة أسمهان اغتيلتا بعد أن عرف إنهنً كنً يكتبنً مذكراتهنً!! مع ذلك تبقى المذكرات دروساً وعبر للآخرين
ففي 21 يونيو/حزيران 2001.. أعلنت وسائل الإعلام خبر وفاة الفنانة سعاد حسني إثر سقوطها من شرفة شقة في الدور السادس من مبني ستوارت تاور بالعاصمة البريطانية لندن.. وأثارت حادثة وفاتها جدلا لم يهدأ حتى الآن.. بسبب إعلان الشرطة البريطانية آنذاك أنها انتحرت.. بينما تدور هناك شكوك حول قتلها وليس انتحارها.. فيما قيل انها قتلت لأنها كتبت مذكراته التي تفضح الكثير من الشخصيات المهمة
ـ مذكرات أخرى تحدث صدمات كهربائية.. لصراحتها.. كمذكرات حردان التكريتي.. فقد نشرت بعضاً منها قبل مدة.. لكن نظراً لطرحها أموراً خطيرة اختفت.. حتى بثت الأخبار إنها غير حقيقية.. وعلى الرغم من أهميتها.. ونشر أمور لا يعرفها سوى هو.. ويبدو إن آخرين قلائل في عداد الأموات أو أحياء ليس من مصلحتهم أن تنشر تلك الحقائق!!.. وهكذا اختفت.. لتنشر من جديد قبل شهرين…. أي بداية العام 2022
ـ ويذكر الصديق مأمون الدليمي مثلين عن مرحلة ما بعد 2003
الأول
أخبر صدام حسين.. الرجل الامريكي من جهاز المخابرات.. الذي كان يحاوره وهو من أصل لبناني.. بانه ينوي كتابة مذكراته في السجن.. وأهم ما فيها أسرار العلاقات الامريكية / العراقية.. واسرع ذلك في اعدامه قبل انتهاء اجراءات اخرى.. ومحاكمته عن تهم أخرى أكثر مهمة من عملية الدجيل
الثاني
الدكتور أحمد الجلبي.. صرح بانه سيعلن عن اسرار توزيع الادوار من قبل أمريكا بعد احداث 2003.. وما واعدت به امريكا ولم تقوم به.. ومصير أموال العراق!.. وبعد اقل من 72 ساعة.. وجدوه ميتا بعد جلسة عشاء.. ربما يعرف البعض القليل حضر ذلك العشاء.. انها “العشاء الاخير” له.. لتكون رسالة الاخرين.. ولم يتم تشريح جثته وتم دفنه بأسرع ما يمكن
بقيً أن نقول
ما يثير الاستغراب إن قاعدة (كتابة المذكرات وهم أحياء) لا تنطبق على الكثير من مذكرات لشخصيات سياسية عراقية أحياء كتبت مذكراتهم ونشرت في المرحلة الحالية.. لأنها تتضمن مبالغات وأمور لم تحدث مطلقا.. أو مخالفات لأبسط الحقائق والأحداث والوثائق.. خاصةً مذكرات وسير حياة شخصيات ومسؤولي عراق ما بعد 2003
ـ حيث نجد بعض هؤلاء كتبوا مذكراتهم.. وسير حياتهم.. ونشروها بكتب أنيقة.. ومن يقرأ هذه المذكرات وسير حياتهم.. يضحك على هزالة هكذا اناس