تعتبر الحروب العسكرية من اخطر ما يواجه البلدان المتصارعة فيما بينها وقد تكون آخر الوسائل لحل اي خلافات مستعصية بين الدول فهي بالإضافة الى ماتنتجه من خسائر بشرية وتدميرية ستكون عبئا ثقيلا على اقتصاديات الأطراف المتحاربة . وهذا ما كان واضحا في كل الحروب التي جرت في العصر الحديث ابتداء من الحرب العالمية الأولى في 1914 وحتى غزو العراق سنة 2003 وكذلك ما يجري الان في غزة. وخلال الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الحروب مستمرة بصيغة أخرى بين الشرق والغرب فيما سميت بالحرب الباردة التي تعتمد على الاعلام والحرب النفسية والحروب الاقتصادية وهي ما تسمى اليوم (بالحروب الناعمة ) بين ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي سابقا والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حتى تمكن الغرب من تفكيك المعسكر الشرقي وتجزئة دوله كالاتحاد اليوغسلافي الى ستة دول واتحاد جيكسلوفاكيا الى دولتين ثم الاتحاد السوفيتي الى خمسة عشر دولة ومن ثم سحب العديد من دوله الى المعسكر الغربي وفي الوقت الذي انهار المعسكر الشرقي وتفكك حلف وارسو بفعل الحرب الباردة او الحرب الناعمة فقد حافظ الغرب على حلفه ( حلف الناتو ) الى يومنا هذا وصار وحده يتحكم بالعالم كله .
وكان علماء التكنولوجيا في الغرب والشرق يسابقون الزمن لاكتشافات جديدة يمكن استخدامها في الحروب بدون خسائر بشرية وربما حتى مادية الى ان وصلوا بنا وبالعالم كله الى مانحن عليه الآن من عولمة العالم وتحويله الى قرية صغيرة بيوتها من زجاج يرى كل من يرغب بذلك في العالم كله ما بداخلها من خارجها . فكانت الأقمار الصناعية والهواتف الخلوية والشبكة العنكبوتية وتفرعاتها الهائلة.
وقد أدت كل هذه الاكتشافات الكبيرة الى تسهيل مهمة المتحكمين بمصير العالم في الوصول إلى اهدافهم التي غالبا ما تكون غير مشروعة وقد تمكنوا من تحقيق نتائج مذهلة في المجتمعات الاكثر جهلا حيث استطاعوا تغيير بوصلة افكار تلك المجتمعات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ضد حكوماتها عبر تحريكها برسائل الكترونية لإثارة الفوضى والانقلاب على انظمتها حيث أدى ما سمي بالربيع العربي إلى انتشار الفوضى الهوجاء في أغلب اقطار الوطن العربي فاستطاعوا وبدون أي خسائر بشرية او مادية تغيير العديد من الوجوه الحاكمة بعد انتهاء صلاحيتها وانكشاف أمرها والمجيء بوجوه جديدة مكَّنوها من ركوب الموجة ليتحكموا بهم وببلدانهم من جديد بحيث صار لا يمكن لأي بلد ان يُنصِب مسؤولا عليه دون موافقتهم ، وكانت اهم الجوانب التي اعتمدت عليها سياسة القوة الناعمة في الحرب على العرب خصوصا والمسلمين عموما لتفتيت وحدتهم واضعاف قوتهم وابعادهم عن دينهم الحقيقي وبالتالي فرض سيطرة قوى الشر في العالم على مناطقهم واحتلالها بقواعد عسكرية ضخمة بحجة اطفاء الفتن التي هم من صنعها اصلا هي:
اولا تأجيج الفتن الدينية بين أبناء الدين الواحد وذلك بإثارة التنافس بين مذاهب ذلك وجعلها في تناحر دموي لانهاية له وخصوصا في المناطق التي يوجد فيها تنوع مذهبي من الوطن العربي ومحاولة خلق أحزاب متعددة لكل مذهب بحيث كلما تهدأ الفتنة بين اطراف الفتن تؤججها ديمقراطية المذاهب حتى وصل الامر الى أحداث الفتنة والتنافس بين أحزاب المذهب الواحد ، واما في الاماكن التي تقل فيها المذاهب فيحاولون اثارة الفتنة بين دين واخر كما يحدث بين المسلمين والمسيحين او المسلمين واليزيدين في بعض اقطار الوطن العربي ثم الاتجاه الى إثارة العامل القومي في المناطق التي يقل فيها التنوع المذهبي والديني فيلجؤون الى إثارة نزاع قومي بين أبناء تلك المناطق ومن اخطر ما وصلوا إليه من فتن هي فتنة المدنيين والعسكر وما بين العسكر أنفسهم كما يدور الآن في السودان وقبل هذا وذاك كان الدخول إلى عقول الأطفال والشباب اناثا وذكورا من خلال تكنولوجيا النت بحيث صار هؤلاء الأطفال والشباب يقلدون كل ما يرونه في تلك المواقع دون التمييز بين الصالح منه والطالح حتى صار ليلهم نهارا ونهارهم ليلا فتركوا اهتماماتهم الدراسية والعملية لانهم يسهرون حتى الصباح وينامون حتى المساء وصرنا لا نميز بين الذكر والانثى بسبب تشابه الملابس والمكياج وحتى يمكنهم التمييز بين الولد والبنت بدأوا بمحاربة الحجاب الإسلامي حيث صار الكثير من نساء المسلمين بلا حجاب في كل أماكن تواجدهن في الشارع والسوق والجامعة واماكن العمل ، وآخر ما توصلت إليه عقول الشر ولا اظنه الاخير هو فتنة الرياضة حيث قسموا الشباب وخصوصا العربي بين ناديين رياضيين اسبانيين فصار عشقهم لهم يوصلهم الى التصارع بينهم على نتائج مباريات الناديين ثم فتنة المنتخبات العربية التي جعلت من الرياضة ساحة حرب بين الأشقاء حيث لا يجوز لمنتخب البلد الفلاني ان يفوز على منتخب البلد الآخر والا ستشتعل الفتنة بين مشجعي المنتخبين الشقيقين الذين هم في الغالب اهل و أبناء عمومة وعشائرهم واحدة في كلا القطرين وليس بعيدا عنا ما يدور بين جمهور العراق والجمهور الأردني ومشجعي الجزائر والمغرب وغيرها من الفتن الرياضية للأسف.
بعد كل هذا علينا أن نتساءل لماذا ينجح اعداءنا في زرع الفتن دائما في مزارع عقولنا ؟
ولا أجد غير جواب واحد وهو تجزئة الأمة العربية الى اقطار متعددة وشهوة الحكم لمن يتولى مسؤولية الحكم في تلك الاقطار التي تجعل الدفاع عنها ( شهوة الحكم ) هو أهم من توفير لقمة العيش وابسط الخدمات لأبنائها مما يجعل الناس تنتظر اي شيء يأتيهم من الخارج حتى لو كان ذلك الشيء مدمرا لمبادئهم وتعاليمهم واعرافهم الدينية والاجتماعية .