في الربيع تبدو الأشياء أجمل مما في المواسم الأخرى .
وفي الربيع ترتدي الطبيعة أحلى حلة بشمسها الدافئة ونسيمها العليل وعبق روائح زهورها وأورادها وذلك اللون الأخضر الزاهي الذي يكسو الأرض .
انه الربيع الذي ننتظره بعد شتاء طويل ثقيل الأنفاس ، غير أن الاحساس بالربيع فقد معناه في وطننا الجريح .. اذ كيف يكون ربيعا والنفس معذبة مقهورة ! كيف يكون ربيعا والأرض تميد بأهلها والدم يسيل على ترابها !
ان ربيع النفس هو الربيع الحقيقي ، أما ما عداه فهو شقاء وظلم وظلام .
نحن جميعا ننتظر ميلاد ربيع يحرر الوطن من أغلاله وقيوده ، نحن جميعا نريد أن تطل علينا نسمات الحرية بما فيها من أمن ورخاء وسعادة .
لا .. ليس ثمة ربيعا في وطننا منذ أن فارقت البسمة الشفاه ومنذ أن ذرفت العين الدموع ومنذ أن فارق الأحبة بعضهم بعضا مهاجرين شرقا وغربا .
لا .. لم يعد الربيع ربيعا منذ تلك الساعة التي جثم على صدورنا الخوف . . الخوف من شبح الموت الذي يتربص بنا في كل ساعة .
ويبقى الربيع يظلل الأوطان بسحره وبهائه الا أن وطننا فقد ربيعه منذ سنين خلت .
ان ما نصبو اليه هو أن يحتوينا ربيع معطر بالدفء والحب ، أما أن الشمس مشرقة والنفوس مظلمة فلا جدوى .
ان جمال الربيع لا يخفى على أحد ، غير أن المعذبين والمظلومين والتعساء وكل الذين يذوقون طعم الخوف لا يحظون بمتعة هذا الجمال ، انهم مهمومون يؤرقهم الظلم وتظللهم التعاسة ويحتويهم الخوف فلم تعد لهم نافذة يطلون منها على بهاء الربيع وايقاع نغماته .
لن تحلو الحياة برمتها لأرملة فقدت رفيق عمرها في اغتيال بشع ، ولن تحلو الحياة أيضا ليتيم فقد أباه في ساعة نحسة ، وكيف تحلو الحياة بما فيها الربيع لمن أعدمت حقوقه وكبلت حريته وضاعت آماله وأحلامه .
ترى هل سيأتي ربيع تنبض فيه القلوب في وطن أشرقت عليه شمس الحرية الحقيقية ؟ وهل ستكون لنا فيه رؤية جديدة نتطلع فيها الى الايفاء بالعهود التي قطعناها على أنفسنا بما فيها من عدل وانصاف لكل المظلومين والتعساء الذين طالتهم الأيام بمرارتها ؟ أم أننا نكون قد كذبنا عليهم وعلى أنفسنا بالتفريط في تلك الحقوق بل والسخرية منها .
وقد قيل ( ان غدا لناظره قريب ) فعسى أن يأتينا ذلك الربيع الذي يشفي العليل ويهدئ الجروح ويزرع بسماته على الشفاه وينتشلنا جميعا من وطأة ذلك الليل الطويل بظلمه وظلماته .