أن تكون وطنيا يعني أن تكون على استعداد تام للعمل بإخلاص في ساحتين مهمتين متجاورتين وربما متداخلتين هما: ساحة خدمة الوطن، وساحة الدفاع عن الوطن، وساحة خدمة الوطن واسعة ومتحركة تتعلق بالعمل الجاد والرصين والقائم على المثابرة والإخلاص في الميادين التربوية والتعليمية والصحية والزراعية والصناعية والتجارية والإدارية والقانونية والمالية والبلدية والخدمات العامة، وكل ما له علاقة بنشاط الدولة وبحياة الناس وضروراتها في ظل نظام يعطي لكل ذي حق حقه، وتحت قوانين مرعية تحقق العدالة بين الجميع من غير تفريق على أساس القومية أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو أي أساس يتعكز على وجود الاختلاف، أما ساحة الدفاع عن الوطن، فهي ساحة الفداء والجهاد التي تحمي الوطن وأهله، وتحافظ على حدوده وثرواته وكرامته، وتحافظ على استقراره، وتدفع عنه كل شر يقصده أو يحيط به، ومصلحة الوطن تتقدم على جميع المصالح، فالوطن أولا، بل أولا وآخرا، وأن تكون وطنيا بمعنى من المعاني يعني أن تكون ذا ضمير وطني، وأن تكون ممن يعملون على تحقيق العدل والمساواة والحفاظ على المال العام، وممن يحملون لواء الشرف العالي والكرامة الحقة، وأن تكون المسؤولية شرفا، وأن يكون العمل مخلصا ومن أجل الصالح العام.، بعيدا عن الكسب غير المشروع، وأن يكون صوت الحق قويا صادحا، مع ضرورة العمل بروح الأخوة والتعاون والتآزر وليس بروح الشللية والمنفعية والمصلحية، والوقوف مع الوطن في كل التحديات التي يتعرض إليها، وفي كل الأخطار التي يمكن أن تكون في طريقه، مع حفظ حقوق الفقراء والمتعففين والأيتام والأرامل والثكالى وعوائل الشهداء، وكل ما تقدم هو بمعنى من المعاني حديث عن الضمير الوطني.    والضمير الوطني قد يكون نائما، وهذا بحاجة إلى إيقاظ، وقد يكون غائبا، وهذا بحاجة إلى إحضار، وقد يكون مستترا، وهذا بحاجة إلى إظهار، وربما يكون ميتا وهذه هي الطامة الكبرى، والضمير الميت بحاجة إلى إحياء، والإحياء مسألة في غاية الصعوبة والحراجة، وهي من أصعب الحالات على الإطلاق، والضمير الوطني هو ضمير جمعي بالتأكيد، يعمل للصالح العام، وهو قادر على النجاح في تحويل الضمير الشخصي من ضمير ذاتي أناني نفعي إلى ضمير متحد مع الضمير الجمعي ومتوحد معه في السياق ومتناسق معه في النسق والتوقيت، والضمير الوطني يعني الشعور العالي بالمسؤولية إزاء الوطن وأهله، ومصلحته وهيبته وأمنه وصندوق أسراره، إنه بمنزلة الشرف الرفيع، والضمير الوطني ليس تصريحات غير مسؤولة وشعارات لا قيمة لها ووعود كاذبة، إنه الإخلاص التام للوطن وأهله، والنزاهة والتفاني والحرص والمبدئية، بعيدا عن كل ما يذهب بنا إلى التسويف والغش والخداع والعبث والفساد والمصالح الشخصية والأنانية والخيانة، ونقف هنا لنتساءل: متى ترتاح ضمائرنا؟، والجواب هو: ترتاح ضمائرنا عندما نكون مخلصين للوطن وأهله، وعندما يكون الوطن أولا وآخرا، في حبنا له وفي العمل من أجله ومن أجل سلامته وحفاظا عليه ودفاعا عنه.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *