غيرت التكنلوجيا الرقمية وشبكة الانترنت ايقاع الزمن وتجاوزت قيود الجغرافيا وحدود المكان وانتجت عوالم جدبدة يندمج فيها الواقعي بالافتراضي والحقيقي بالاوهام لم نعد نعيش الواقع وحده لان الواقع الافتراضي في الشبكة اصبح اهم من التفاعل الاجتماعي الانساني.
لم نعد نهتم بالحدث بذاته كذكرى انسانية بل بصورة الحدث على وسائل التواصل الاجتماعي مع قدر من التزييف والتجمييل لكي تبدو الصورة اجمل حتى لو تخطت حدود الاصل.
المهم ان نصور ونخزن ونشارك مع اكبر قدر من المعجبين الحقيقيين والمزيفين تعويضا عن نقص او تحقيقا لذات ليس لها حضورا في الواقع.
ويبدو اننا ننساق وراء قهر ادمان الاتصال الرقمي وبارانويا العصاب الاستحواذي الذي يسيطر على سلوكنا اليومي من خلال الاتصال المزمن بشبكات التواصل الاجتماعي. ونحن في واقع الامر نبيع انفسنا وصورنا وذكرياتنا واحلامنا للشركات الرقمية العملاقة التي تسجل بياناتنا وتراقب مشاعرنا وتبرمج احتياجاتنا لتتولى بعد ذلك بيعها في اسواق تسليع البشر والزبائن والمستهلكين ووكالات الاعلان والتداول والبيع والمقايضة.وليس مهما ان نباع ونشترى من خلال مايلتقطه الذكاء الاصطناعي على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من بيانات تنتهك خصوصياتنا ورغباتنا بل تنتهك حتى ايماءات الرغبة والجسد فهل نحن ازاء التكنوتوليتاليا اي التكنلوجيا الشمولية التي توجه وتراقب وتصنع احتياجاتنا وتوهمنا بانها حاجاتنا ورغباتنا واحلامنا ثم اين تكمن قيمتنا الانسانية وجوهر حياتنا ومن سيكون له صدارة السباق الذات الانسانية المستلبة رقميا ووجودا ام الواقع الافتراضي الممتد والمعزز برغبات وامال غير متحققة هل الاصل هو المهم ام الصورة التي نريد ثم ماالسبيل من اجل بناء هوية حضارية وثقافية للذات في ظل اغتراب الاجيال عن تراثها وتاريخها وفي ظل طوفان المعلومات المضللة والمزيفة وكان يدا رقمية خفية تضع وتجدول اهتمامات الناس وتخضع رغبات الناس وتوجهاتهم لسيطرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي قادتنا الى ظاهرة الاستخدام القهري للهاتف الذكي في كل لحظة من حياتنا
اليس هذا هو الادمان الرقمي؟ ادمان للانترنت الذي اصبح صورة من النظام الشمولي الرقمي يضم مالايقل عن 5.35 بليون مستخدم او مواطن رقمي من اصل 8 بليون من البشر يعيشون في هذا العالم. ومن المتوقع ان يصل عدد المستخدمين للانترنت الى حوالي 7.9 بليون بحلول 2029. وبالمتوسط وصل عدد ساعات استخدام الانترنت في العالم حوالي سبعة ساعات تناظر عدد الساعات التي نقضيها بالنوم يوميا. اما الافراد وبخاصة من جيل الالفية الرقمية ( الاعمار مابين 16 الى24 ) فهولاء يستخدمون الانترنت بساعات تصل الى تسعة ساعات يوميا. ويتصل بوسائل التواصل الاجتماعي اكثر من خمسة بليون مستخدم بينما نقضي بالمتوسط اربعة ساعات مع الهاتف النقال بالاضافة الى اكثر من ساعتين نتواصل بها مع الاجهزة الرقمية من تلفاز وحاسوب لوحي وغير ذلك.
هذا الاستخدام المكثف يصل بالضرورة الى حالة الادمان ليس بسبب ارتباط الاتصال الاني مع الانترنت بالمتعة والتسلية او لمتطلبات العمل والدراسة والتعليم والتعلم وانما بسبب الانغماس القهري المتزايد والاستعانة بالاجوبة المحوسبة لتغطية النقص المتزايد في المعارف والمهارات والكفايات والبحث عن الحلول وتعويض الكسل الذهني وتدهور مهارات القراءة والكتابة والحساب ومن اجل المزيد من الانغماس في العالم الرقمي الذي تتسيد فيه التكنلوجيا على حساب سيادة العقل وتتسيد فيه اليد الرقمية الخفية للاخ الاكبر الذي يمتلك هذه التكنلوجيا ويرسم مداراتها وماتصنعه من فرص وتحديات وحقائق واوهام.