لا يروي الأرض شيء كالمطر، ولا يروي ظمأ الفرد إلى حضن دافئ كالعائلة، والحاجة إلى العائلة مثل حاجة الأرض إلى المطر، ومثل حاجة الفراشات إلى الرحيق، العائلة: يا لها من كلمة سحرية قريبة إلى النَّفْس، وتبقى في النَّفْس حتى قطع النَّفَس، هي السَّند والداعم، والظَّهر والظَّهير، وهي الأمن والأمان، وهي المأوى والسلوى، وهي الراعية في الحالتين: البشرى والبلوى، هي الدفء والألفة والمودة والرضا والأمل المشترك الذي يُبعد كل ألم، والعائلة تنمو مثل الشجرة وتثمر مثلها، وليس من داعٍ إلى الخروج إلى الحدائق لاستنشاق الأوكسجين، ادخل بيتك واستنشق الأوكسجين المصفى من عبق أشجار عائلتك: الأشجار المعمرة (الجد والجدة) والأشجار الفتية (الأب والأم) والأشجار الجديدة (الأحفاد والأولاد)، ولا تقل إنني فقير، فأنت غني مادمت تملك عائلة تنتمي إليها، والحب الذي نحصل عليه في العائلة لا يمكن الحصول عليه في أي مكان آخر، هو الثمين الذي نحصل عليه بلا ثمن، في زمن أصبح فيه كل شيء بثمن، العائلة: إذا وقعتَ رفعَتْكَ، وإن حزنتَ وقفت إلى جانبك حتى تسترد سعادتك، وإن تعبتَ أراحَتْك، وإن احتجت سدَّت حاجتك، وقد قال الرئيس الأمريكي توماس جيفيرسون (1743 ــ 1826) : (اللحظات الأسعد في حياتي هي تلك القليلة التي أقضيها في المنزل في أحضان عائلتي)، والأم تيريزا كانت تقول: (اذهب إلى المنزل وأحب عائلتك)، وكل حديث عن العائلة لا بد أن يصل إلى أمر هو في غاية الأهمية هو التماسك العائلي، الذي تُنتجه العلاقات الراسخة بين أفراد العائلة، ويتمسك به الجميع حفاظا على هذا البناء السامق الجميل، وعلى حقوق جميع أفراد العائلة فيه، وحرصا على جعله زاهرا بجهود الجميع، والتماسك العائلي أكثر أهمية من التماسك النصي الذي يحرص عليه الكتاب والمؤلفون، ولكن هذا التماسك العائلي يمكن أن يتعرض إلى الاهتزاز أو التصدُّع نتيجةً لأسباب متعددة، منها ما لها علاقة بالتغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي شهدها المجتمع في السنوات الأخيرة، ومنها ما لها علاقة بمواقع التواصل الاجتماعي والفهم الخاطئ لكيفية استثمارها بالشكل الصحيح، فضلا عن انتشار حالات التعاطي المختلفة التي تؤثر على الفرد سلبيا، وكل ما سبق أدى إلى ظهور حالة العنف العائلي وبروزها بوصفها مظهرا سلبيا بحاجة إلى معالجات ناجعة تقطع الطريق عليه، وتعالج تأثيراته الخطيرة، وتشير سجلات المحاكم وسجلات مراكز الشرطة إلى ارتفاع كبير في عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف العائلي في السنوات الأخيرة، ومن تلك الشكاوى ما هو متعلق بالعنف ضد الأطفال وضد النساء وضد المسنين، العنف الذي يسبب الإيذاء وإلحاق الضَّرر بالأطفال والنساء والمسنين والذي قد يصل إلى الموت في بعض الأحيان.
إن العنف العائلي أو الأسري بحاجة إلى معالجات ناجعة، منها ما هو وقائي ومنها ما هو قانوني، مع حضور الجانب التربوي والتعليمي والتثقيفي في كل الأحوال، وإذا كان إقليم كردستان العراق قد شرَّع قانونا يحمل الرقم (8) لسنة 2011 خاصا بمناهضة العنف الأسري، فإن مجلس النواب العراقي لم يتمكن من تشريع قانون الحماية من العنف الأسري العراقي، الذي رفع مشروعه إليه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 5/8/2020 حتى اليوم، ومازال مشروع القانون تحت المناقشات والتجاذبات بين الكتل السياسية.
ولا بد في الختام من الإشارة إلى أن وزارة الداخلية قد شكَّلت مديرية لحماية الأسرة والطفل من العنف الأسري عام 2010، وهي تعمل منذ ذلك العام، وقد افتتحت مقرات لها في جميع محافظات العراق عام 2012، ولهذه المديرية دور كبير في متابعة الشكاوى المتعلقة بالعنف الأسري ومعالجة حالاته وحصرها واتخاذ الإجراءات القانونية بصددها.