لا يمر يوم دون أن نجد تدخلاً جديداً للسفيرة الأمريكية في العراق، ألينا رومانوسكي، في شؤون البلاد وكأنها قد نصبت نفسها الراعي الرسمي لمصالح الشعب العراقي. هذه المرة، قررت السفيرة أن تعبر عن “قلقها” البالغ بشأن التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي. ونعم، لأنها طبعاً خبيرة في قوانين الأحوال الشخصية أكثر من العراقيين أنفسهم، بل قد تكون متخصصة في علم الأنساب أيضًا!
قد يبدو الأمر مضحكاً إذا لم يكن مؤلماً: سفيرة تمثل دولة لطالما ادعت أنها تقف مع حقوق الشعوب واستقلالها، تتدخل بكل جرأة في قضايا تشريعية تخص شعباً أنهكته الحروب والتدخلات الخارجية. ترى، هل تعتقد السفيرة أن العراقيين بحاجة إلى وصاية جديدة بعد كل هذه السنوات من “الديمقراطية” الأمريكية التي جلبتها لهم دبابات بلادها؟
المفارقة الكبرى أن السفارة الأمريكية هي من دعمت، وما زالت تدعم، القوى السياسية التي تُطرح منها اليوم هذه التعديلات. نعم، هذه الأحزاب التي طالما كانت محببة لدى واشنطن عندما كانت ترفع شعارات الحرية والعدالة، هي ذاتها التي تتبنى اليوم هذه المقترحات التي تثير قلق السفيرة. فهل هو قلق حقيقي أم مجرد قلق انتقائي؟ ربما ينبغي على السفيرة أن توضح لنا كيف يتسق دعمها لهذه القوى مع انتقادها اليوم لبعض ما تطرحه.
من المؤكد أن السفيرة رومانوسكي تعلم جيداً أن الولايات المتحدة قد كانت الراعٍ الأكبر للفوضى السياسية في العراق، تلك الفوضى التي أوصلت البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار، ليس فقط على المستوى السياسي بل الاجتماعي أيضًا. ويبدو أنها نسيت أو تتناسى أن الشعب العراقي لم يطلب منها يوماً أن تكون حامي الحمى لحقوقه، وخصوصاً عندما تأتي هذه الحماية مصحوبةً بأجندات سياسية لا تخدم إلا مصالح واشنطن.
والسؤال هنا، لماذا تهتم السفيرة فجأة بمصير حقوق المرأة والطفل في العراق؟ هل لأن الولايات المتحدة تُحب العراقيين إلى هذا الحد؟ أم أنها تخشى أن تكون نتائج دعمها للجهات السياسية العراقية انعكست بطريقة لا تتماشى مع الصورة التي تحاول رسمها للعالم؟ حقاً، كان من الأفضل للسفيرة أن تركز على مشاكل بلادها الداخلية، حيث يمكنها أن تقلق بصدق على حقوق النساء والأطفال في مجتمعها، بدلاً من أن تستمر في لعب دور “المرشد الأعلى” لحقوق الإنسان في العراق.
السفيرة قد تكون بحاجة إلى تذكير بسيط: العراقيون، الذين وعدتهم بلادك بالديمقراطية والعدالة، لم يروا منها إلا تدخلات أدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد. ومع ذلك، تستمرين في تقديم النصائح وكأنك لست جزءاً من المشكلة التي يعاني منها العراق اليوم.
إذا كانت السفيرة الأمريكية جادة فعلاً في قلقها على مستقبل العراق، فربما يجدر بها النظر في مرآة سياساتها ودعمها المستمر للأحزاب التي تلعب على وتر القوانين والتشريعات لتحقيق مصالحها الخاصة. وهل حقاً تتوقع أن يصدقها العراقيون وهم يرون أن الدعم الأمريكي لهذه الأحزاب هو الذي مهد الطريق لكل ما يحدث اليوم؟
في النهاية، على السفيرة أن تفهم أن زمن التدخلات السافرة قد ولى. الشعب العراقي أصبح أكثر وعياً وأكثر قدرة على رؤية الحقيقة، حتى لو حاولت دبلوماسية مدربة إخفاءها خلف كلمات منمقة وعبارات مزخرفة. على السفيرة أن تقلق على أمر واحد فقط: كيف سيتذكرها التاريخ؟ كمدافعة عن حقوق الشعب العراقي، أم كواحدة من المسؤولين عن استمرار معاناته؟ ربما الإجابة واضحة لكل من عاش حقيقة الأوضاع في العراق، بعيداً عن القلق الانتقائي الذي أبدته السفيرة الأمريكية.