خاطب الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه وأهل بيته في ليلة عاشوراء قائلا لهم: (إني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي أظنُّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ، ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا)، وفي خطبته هذه مسألتان مهمتان هما: الأولى: أنه يتوقع أن يهجم الأعداء عليهم غدا، وهذا ما كان، والأخرى: أنه أذن لأصحابه وأهل بيته بمغادرة ساحة المعركة، وطلب منهم أن يتخذوا من الليل الذي غشيهم جَملا، كناية عن السماح لهم بالذهاب تحت جنح الظلام، ولكنهم قالوا له: (لا والله ما نفعل ذلك، ولكن نفديك)، وهل يمكن أن يترك الأهل والأصحاب سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وحيدا أمام الأعداء في هذا الظرف العصيب؟، هل يمكن وهم أوعية العِلم ومصابيح الهدى، وهم أهل النفوس الأبية والأنوف الحمية والحجور الطيبة الطاهرة؟، وهنا يذكر الإمام السَّجّاد (عليه السلام) أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان في ليلة عاشوراء يعالج سيفه ويصلحه، وكان يردد هذه الأبيات :
يا دهرُ أُفٍّ لكَ مِنْ خليلِ كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
مِنْ صاحبٍ أو طالبٍ أصيلِ والدَّهرُ لا يقبلُ بالبديلِ
وإنَّما الأمرُ إلى الجليلِ وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلي
وقد أعاد هذه الأبيات مرتين أو ثلاثا، فخنقتني العبرة، لأني فهمت ما أراد، وظل تلك الليلة جالسا في باب الخيمة من غير أن ينام، وكان يقول: (لو تُرك القطا لنام)، وكيف ينام القطا إذا كان الخطر يحيط به من كل جانب؟، ولم يكن أمامه إلا أن يسجد ويركع لله تعالى ويناجيه بقلب لم يُعرف عنه غير الورع والصبر والإيمان، وقد وصف شاعر حال الحسين في تلك الليلة فيقول:
فأقامَ ليلتَهُ يناجي ربَّهُ طوراً ويسجدُ في الظَّلامِ ويركعُ
وَرويَ عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قال : أتانا رسول مِنْ عُمر بن سَعد فقال : (إنا قَد أجلناكم إلى غد، فإن استسلمتم سَرحنا بكُم الى أميرِنا عُبيدِ اللهِ بن زياد، وَإنْ أبيتُم فَلسنا تاركيكُم)، وكما هو واضح فإن عمر بن سعد يحلم بالاستسلام ولا يعمل من أجل السلام، نعم، إنه يحلم باستسلام الحسين وآله وأصحابه وأنصاره، وهو يعلم أن من يريد منهم الاستسلام يرون أن الاستسلام عار، والنار بالنسبة إليهم أهون من العار، وهكذا وقف الإمام الحسين (عليه السلام) وأهله وأصحابه وأنصاره في يوم عاشوراء أسودا، على الرغم من قلة العدد وخذلان الناصر، وثبتوا وصبروا وذهبوا إلى ربهم شهداء وهم عنده أحياء يُرزقون.