عندما يرهن الإنسان عقله لرجل دين، أو ما يُعرف بالـ “معمم”، فإنه بذلك يختار طوعًا التنازل عن إرادته وفكره، ليتحول من مخلوق مُكرّم كرّمه الله بالعقل إلى مجرد أداة تُقاد بلا وعي، ولا تملك من أمرها شيئًا. ولعل هذا الوصف، رغم قسوته، أرحم بكثير من الواقع المأساوي الذي يعيش فيه أولئك الذين ارتضوا أن يضعوا عقولهم في جيب المعمم، يتلقون منه التعليمات كأنهم حيوانات مروّضة، بل وربما كان تشبيههم بالحمير فيه ظلم كبير لتلك الحيوانات البريئة التي تعمل بلا شكوى، دون أن تطلب ولاءً ولا تملقًا من أحد.

إن تسليم العقل لرجل الدين يشبه تمامًا أن يُلقي الإنسان بنفسه في قفص ويُغلق عليه بإحكام، ثم يُسلم المفتاح لمن يعتقد أنه يمثل الحقيقة المطلقة. وهكذا يبدأ المعمم في توجيه أفكاره ومعتقداته، ويغرس في ذهنه “التعاليم” التي لا تقبل النقاش أو الشك. لكن في الحقيقة، هو يغرس في ذهنه الخرافات والتعصب، ويجرّده من إنسانيته، ويحوّله إلى دمية تحركها الخيوط التي يتحكم بها المعمم.

يقول الكاتب الأمريكي مارك توين: “من الأسهل أن تخدع الناس من أن تقنعهم أنهم قد خُدعوا”. وهذا ينطبق تمامًا على أتباع المعممين الذين يفضلون العيش في وهم الراحة الزائفة التي توفرها لهم تلك التوجيهات العمياء، بدلاً من مواجهة الحقيقة والاعتراف بأنهم قد تم التلاعب بهم. كيف لا، وهم قد وضعوا عقلهم في سلة رجل دين يبيعهم أوهام الجنة والنار، ويستخدم خوفهم من المجهول ليحكم قبضته عليهم؟

الحمار، مع الاعتذار له، يمارس دوره في الحياة دون أن يزعج أحدًا، ودون أن يدّعي معرفة ما لا يعرف. إنه يعمل بجد، وينفذ المهام المطلوبة منه بلا تذمر. لكن الإنسان الذي يضع عقله في يد معمم، يتحول إلى كائن يفقد كل قدراته الفكرية والنقدية، ويصبح مجرد نسخة مشوهة من الحمار، بلا هدف واضح، بل فقط ترديد لما يسمعه من الرجل الذي ارتدى العمامة وادّعى أنه يملك الحقيقة المطلقة.

إن العالم مليء بأمثلة لا حصر لها عن شعوبٍ عاشت في ظلام التعصب الديني لقرون، بينما كانوا يدورون في فلك رجال الدين الذين حرموا عليهم حتى التفكير. ومع ذلك، فإن التاريخ مليء أيضًا بالقصص التي تُظهر أن من يتجرأ على استخدام عقله، ومن يرفض أن يكون حمارًا في قطيع المعممين، هو من يفتح الأبواب أمام التقدم والازدهار.

في الختام، إذا أردت أن تكون إنسانًا بحق، فعليك أن تحرر عقلك من قيود المعمم ومن خداعه. فالعقل هو ما يميزنا عن باقي المخلوقات، وإذا قررت أن تتخلى عنه، فلا تلومن إلا نفسك إذا أصبحت حمارًا، مع كامل الاحترام للحمير.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *