في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، يبدو أن المواجهة المقبلة بين الطرفين قد تأخذ منحى مختلفًا، حيث أعدت إيران خطة “رد الرد” بشكل يضمن استجابة فورية لأي اعتداء إسرائيلي. الضربة الإيرانية الأخيرة لم تكن مجرد رد على استفزازات سابقة، بل كانت جزءًا من استراتيجية أوسع تحمل دلالات قوية على تغير ميزان القوى في المنطقة. صور الأقمار الصناعية كشفت عن استعداد الحرس الثوري الإيراني منذ اللحظة الأولى بعد الضربة، حيث تم نصب الصواريخ وتجهيز القوات لضربات أخرى قد تأتي بسرعة ودقة أكثر من أي وقت مضى. هذا الاستعداد أطلق تكهنات بأن هناك موجة ثانية من القصف جاهزة للإطلاق، ما يضع إسرائيل في موقف دفاعي صعب.
إسرائيل تلقت ضربات موجعة، وتؤكد الأدلة على تضررها بشكل كبير. الانخفاض الملحوظ في الغارات الجوية والطلعات العسكرية الإسرائيلية بعد الضربة الإيرانية يشير بوضوح إلى تعرض سلاح الجو لخسائر فادحة. فقبل القصف الإيراني، كان الطيران الإسرائيلي ينفذ عملياته بلا انقطاع، يسرح ويمرح في الأجواء دون عوائق. هذا التغير في السلوك يعكس حجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية الجوية الإسرائيلية، حيث تقلصت قدراتها الهجومية بشكل ملحوظ. فوق ذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية للقواعد الجوية المستهدفة حالة من التشويش الإلكتروني منذ صباح اليوم التالي للضربة، وهو أمر غير معتاد، ما دفع الخبراء للاعتقاد بأن إسرائيل عمدت إلى وضع سحابة إلكترونية صناعية لحجب حجم الدمار الذي لحق بهذه القواعد. هذه السحب الإلكترونية لم تكن موجودة قبل أيام، ما يعزز الفرضية بأن الأضرار أكبر مما هو معلن.
الضربة الإيرانية لم تؤثر فقط على القوة العسكرية لإسرائيل، بل انعكست سريعًا على معنويات الجيش الإسرائيلي، الذي كان قبل الضربة يتمتع بمستويات عالية من الثقة والغطرسة، نتيجة النجاح النسبي في المواجهات السابقة. تراجع المعنويات أدى إلى سقوط عدد من الجنود الإسرائيليين في كمائن محكمة في جنوب لبنان، إذ وقعت أربع كمائن كبيرة حتى الآن. هذه الخسائر تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي، الذي كان يختار أهدافه بعناية ويهاجم من موقع قوة، أصبح الآن أكثر عرضة للأخطاء والاستهداف نتيجة الارتباك والتشتت.
إسرائيل خسرت في يوم واحد ما حققته خلال الأسبوع السابق، وهذه الخسائر قد تجعل استعادتها لقوتها أمرًا صعبًا، خاصة في ظل استعداد المحور الإيراني لتصعيد أكبر. إيران، بقيادة الحرس الثوري، أظهرت جاهزية تامة للرد السريع في حال قرر نتنياهو المضي في مغامرة أخرى. الملف الإسرائيلي لم يعد بيد الرئيس الإيراني الذي يميل إلى الدبلوماسية، بل أصبح تحت إدارة الحرس الثوري الذي يتحرك بدافع الانتقام بعد مقتل عدد من قادته. هذا التحول يجعل الرد الإيراني أكثر حدة، خاصة مع تورط إسرائيل في مواجهات متعددة على جبهات مختلفة مع لبنان وفلسطين، ما أدى إلى بعثرة جيشها وكشف نقاط ضعفه.
في هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن تلجأ إسرائيل إلى خيارات متطرفة، مثل محاولة اغتيال قائد إيراني كبير أو استهداف المنشآت النووية الإيرانية، في إطار ما يُعرف بـ “خيار شمشون”. لكن هذه التحركات ستكون مقامرة خطيرة، حيث أن القيادة الإسرائيلية الحالية تُظهر ميلاً متزايدًا للتهور والغطرسة، مما قد يدفع المنطقة إلى مواجهة شاملة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. الأيام القادمة ستكشف عن طبيعة هذا الصراع المعقد، الذي يبدو أنه يدخل مرحلة جديدة وأكثر خطورة.