منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي – ونحن صبية صغار – كنا نرتاد دور السينما باعتبارها وسيلة من وسائل التسلية والترفيه ، وبدءا كانت تستهوينا افلام المغامرات ، غير اننا حينما بلغنا طور الشباب استهوتنا الأفلام العاطفية سواء كانت افلاما مصرية أو أجنبية .
والجدير بالذكر أن هذه الأفلام لعبت دورا مهما في حياتنا سواء في السلوك أو في طريقة التفكير ، بل انها في الواقع كانت محور أحاديثنا .
وكان رواد السينما في تلك الفترة كثيرين بما فيهم الرجال والشباب وحتى النساء لم تمنعهن التقاليد الثقيلة من الحضور الى صالات السينما وهن يرتدين الثياب المحتشمة ويجلسن في المقاعد الخلفية المخصصة لهن .
فاذا انتقلنا الى فترة الستينيات سنجد أن ثمة تغييرا قد طرأ ليغير المعادلة ألا وهو ظهور التلفاز الذي راح ينتشر تدريجيا في أكثر البيوتات وراح ينافس السينما .
ورغم أن السينما راحت تطور أسلوبها بعرض أفلام لها ثقلها مستمدة من روايات لأدباء كبار عربا وأجانب الا أن روادها بدأوا يتناقصون ذلك أن التلفاز وفر للمشاهد المتعة وهو جالس مع أسرته ووفر له الجهد والوقت والمال.
ومع هذا وذاك ظلت العاصمة بغداد في هذه الفترة لها خصوصيتها بهذا الصدد اذ ظلت صالات السينما لها روادها ..اجل ما زلنا نستمتع بمشاهدة الأفلام الواقعية والرومانسية ذات ألأحداث التاريخية والاجتماعية والسيكولوجية ..وكان الجمهور يتفاعل مع هذه الأفلام بل ويتحمس لها .
فلما أقبلت فترة السبعينيات انحسر دور السينما انحسارا كبيرا وأصبح التلفاز هو الشغل الشاغل لكل أسرة عراقية تتطلع فيه الى برامج منوعة وأفلام ومسلسلات .
وظل هذا الحال على ما هو عليه طيلة فترة الثمانينات والتسعينات ..التلفاز هو وسيلة الاستمتاع الاولى رغم ما طرأ من تغير برامجه بسبب الحرب اولا والحصار ثانيا .
والواقع أن التلفاز أحدث شرخا في العلاقات بين افراد الأسرة فبعد أن كانوا يتحادثون ويتسامرون فيما بينهم شغلهم التلفاز عن هذا كله .
أما السينما فلم يعد يذكرها أحد ..لقد باتت في طي النسيان ..ذهب عنها توهجها بعد أن ذهب عنها ذلك الجيل الذي كان يرتادها .
وفي انتقالة سريعة الى عام 2003 وما بعده من أعوام ونحن في ظل تغييرات لم نكن نتوقعها شهد التلفاز هو الآخر نوعا من التغيير ، فبعد أن كنا نشاهد قناة واحدة او قناتين أصبح بوسعنا مشاهدة مئات القنوات حسب النظام المتطور الجديد ..والآمر بيدك ان اردت خيرا فهو خير وان اردت شرا فهو شر .
ومع هذه المستجدات دخل الأنترنيت الى بيوتنا ولم يعد التلفاز بوسعه أن ينافسه..ذلك أن عالم الأنترنيت عالم غريب تجد فيه كل ما تبحث عنه بل وتجد فيه جوابا لكل سؤال ..والأمر بيدك أيضا ان اردت خيرا فهو خير وان اردت شرا فهو شر .
والواقع أن هذا الأنترنيت قلب الموازين في المجتمع عامة وفي الأسرة خاصة بايجابياته وسلبياته ، ولعل الضربة القاصمة التي تأتي من خلاله أنه يشغلك عن أقرب الناس اليك وانت تدور في فلكه الساعات تلو الساعات متناسيا أن لك افراد أسرة يريدون منك أن تصغي اليهم وتتحدث معهم في امور حياتهم ومستقبلهم .
أجل هكذا آلت اليه الأمور ولعل القادم من الأيام أخطر وأعظم .