قبل أيام وجه لي احد طلبة الدراسات العليا سؤلاً عن المركز القانوني لمنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى لان رسالته في الماجستير عن المركز الدستوري لرئيس مجلس القضاء الأعلى وكانت الأسئلة على وفق الاتي:
(1- هل لرئيس مجلس القضاء الأعلى حصانة 2 – في حالة ارتكاب رئيس مجلس القضاء الأعلى جريمة ماعدا جريمة المشهودة كيف يتم تشكيل لجنة بحقه ، مع العلم هو من يأمر بتشكيل لجان بحق القضاة اي تشكيل اللجان من صلاحيات الرئيس . 3- المحكمة مختصة لمثول الرئيس أمامها. 4- رئيس مجلس القضاء الأعلى موظف ام مكلف بعد ترأسه مجلس القضاء الاعلى وهل يخضع لقانون انضباط موظفي الدولة 5- هل يعتبر رئيس مجلس القضاء الاعلى اعلى درجات الترقية في السلطة القضائية 6- ماهي علاوات السنوية والاجتماعية لرئيس مجلس القضاء الاعلى)
وهذه الأسئلة لفتت الانتباه إلى الفراغ التشريعي تجاه عمل المؤسسة القضائية ممثلة بمنصب رئيسها وعند البحث في تلك التشريعات وجدت الفراغات التشريعية الأتية:
1-ان منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى لم يرد به تعريف سواء في قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017 او الدستور النافذ، وانما يعد رئيس المجلس تلقائيا من يتولى رئاسة محكمة التمييز الاتحادية وعلى وفق ما ورد في المادة (2/اولا/آ) من قانون المجلس التي جاء فيها الاتي (اولا : يتألف مجلس القضاء الأعلى من : 1- رئيس محكمة التمييز الاتحادية – رئيساً) لذلك فان شروط تولى المنصب هي ذاتها شروط تولى رئاسة محكمة التمييز الاتحادية وهذه الشروط وردت في المادة (47/خامساً) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها الاتي (خامساً – يعين رئيس محكمة التمييز بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح رئيس مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس المحكمة.) وهذه المادة قد حددت الجهة التي ترشح رئيس محكمة التمييز وهو رئيس مجلس القضاء الاعلى من بين نواب الرئيس وهولاء تم تعيينهم ايضاً بناء على اقتراح من مجلس القضاء وعلى وفق احكام المادة (47/رابعا) من قانون المجلس التي جاء فيها الاتي (يعين نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية بمرسوم جمهوري بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى من بين قضاتها الذين امضوا مدة لا تقل عن سنتين فيها ) ، ومن هذا التسلسل في الاحكام نجد ان رئيس مجلس القضاء الاعلى هو في الاصل قاضي من قضاة محكمة التمييز يتولى منصب رئيس المجلس تلقائياً بحكم القانون ، وهذا يعني ان مركزه القانوني هو مركز قاضي محكمة التمييز ويخضع لشروط التعيين والانضباط والحقوق والواجبات.
اعمال محكمة
2- كذلك فيما يتعلق بالحصانة فان رئيس مجلس القضاء الأعلى يتمتع بها بوصفه قاضياً في محكمة التمييز الاتحادية ، حيث لا يجوز التفتيش او الإشراف على أعضاء محكمة التمييز الا من رئيسها وعلى وفق أحكام المادة (55/اولا/ج) من قانون التنظيم القضائي التي جاء فيها الاتي (يكون التفتيش على اعمال محكمة التمييز والإشراف على قضاتها، من قبل رئيسها على ان يقدم تقريرا سنويا عن اعمال المحكمة الى رئيس مجلس القضاء الاعلى ومجلس القضاء الاعلى.) وهو الان ذاته رئيس مجلس القضاء واتحدت المنصبان في شخصه، اما عن محاسبة اعضاء محكمة التمييز ورئيسها او محاكمتهم عن الأخطاء التي قد ترتكب أثناء وظيفتهم فان التشريعات النافذة سكتت عنها بما فيها قانون الاشراف القضائي الجديد رقم 29 لسنة 2016 بينما كان القانون السابق رقم 124 لسنة 1979 استثنى اعضاء محكمة التمييز من الخضوع لرقابة هيئة الاشراف القضائي وعلى وفق المادة (13/أولا) التي جاء فيها الاتي (ختص هيئة الاشراف العدلي بالرقابة والاشراف على أعمال :
اولا – المحاكم المرتبطة بوزارة العدل عدا محكمة التمييز). ومن خلال ما تقدم فان يتولى منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى له حصانة مطلقة ولا يمكن لأي جهة محاسبته على أفعاله حتى لو ارتكب الجرم المشهود والسبب كما تقدم ذكره أوجزه بالاتي :
1- ان رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية لا يسري عليهم قانون هيئة الإشراف القضائي ولا يخضعون لرقابة تلك الهيئة وإنما يخضعون لرقابة رئيس محكمة التمييز وعلى وفق ما جاء في المادة (55/أولا/ح) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها الآتي ( يكون التفتيش على أعمال محكمة التمييز والإشراف على قضاتها، من قبل رئيسها على ان يقدم تقريرا سنويا عن أعمال المحكمة الى وزير العدل ومجلس العدل) وهذا النص أصبح معطل حكماً لان رئيس محكمة التمييز الاتحادية أصبح هو رئيس مجلس القضاء الأعلى وعلى وفق أحكام المادة (2/أولاً/2) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 وبذلك اتحدت صفة رئيس محكمة التمييز الاتحادية بشخص رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي هو أصلاً حل محل وزير العدل،
2- انعدام الدور الرقابي على عمل محكمة التمييز الاتحادية لان نص المادة (55/أولاً/ح) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل كانت ترسم آلية المحاسبة حيث يقدم رئيس محكمة التمييز تقريره إلى وزير العدل الذي بدوره يرفعه إلى الرئيس الأعلى للبلاد، أما الآن إلى من يرفع رئيس محكمة التمييز تقريره هل يرفعه إلى نفسه، ومن يتولى المحاسبة إذا ما وجد خرق قانوني في عملها أو في سلوك احد أعضائها؟ فهل يعقل ان يرفع الشخص تقريره إلى نفسه ، إما إذا طالته هو او الأعضاء المحاسبة فمن يتولى محاسبتهم، فهذا نقص كبير في التشريع ناتج عن عبثية السياسة التشريعية التي خلقت لنا فراغاً تشريعياً في هذا الباب،
3- هذا الفراغ التشريعي خلق وضعاً يتعارض مع أهم مبدأ في الدستور وهو (المساواة ) وكذلك مبدأ (سيادة القانون) ففي باب المساواة فإننا قد ميزنا أبناء الطبقة الواحدة حيث منح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ورئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية حصانة مطلقة من أي محاسبة بينما زملائهم في بقية المواقع القضائية يخضعون إلى المراقبة المؤسساتية والمحاسبة القانونية، كذلك تميزهم عن أقرانهم في السلطات الأخرى، فرئيس السلطة التشريعية (رئيس مجلس النواب) معرض للمساءلة وحجب الثقة عنه بموجب الدستور وبموجب المادة (12) من النظام الداخلي لمجلس النواب النافذ التي جاء فيها الآتي (لمجلس النواب إقالة أي عضو من هيأة رئاسته وفق القانون.) ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فأنهم يخضعون للمساءلة عن أخطائهم ، إلا رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ورئيس وأعضاء محكمة التميز الاتحادية فأنهم مصونون غير مسؤولين وهذا يتقاطع مع مبدأ المساواة بين العراقيين الوارد في المادة (14) من الدستور التي جاء فيها الآتي (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) كذلك يتقاطع ويخرق مبدأ سيادة القانون لان من أوجه السيادة خضوع الجميع للقانون وبذلك يصبح الحال القائم الآن يتقاطع مع هذا المبدأ الوارد في المادة (5) من الدستور التي جاء فيها الأتي (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.)
السؤال الذي يثار هل كان الحال سابقاً مثلما عليه الآن الجواب كلا وعلى وفق الاتي: المتابع للعملية التشريعية في العراق سيجد إن الحال لم يكن يخلوا من وجود آلية محاسبة لأعضاء ورئيس محكمة التمييز إلا في الفترة التي تلت صدور أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم (35) لسنة 2003 الملغى، ومن الأمثلة التي وردت في الدساتير العراقية ما جاء في دستور تأسيس الدولة العراقية (القانون الأساسي) لعام 1925 حيث جاء في المادة (81) الآتي (تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء، وأعضاء مجلس الأمة، المتهمين بجرائم سياسية، أو بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة، ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم، وللبت بالأمور المتعلقة بتفسير هذا القانون، وموافقة القوانين الأخرى لأحكامه) ثم توالت النصوص القانونية التي تؤكد على مبدأ المساءلة والمحاسبة لحين القطع الذي حصل بسبب الفراغ التشريعي، ومن خلال العرض أعلاه نرى إن الضرورة أصبحت ملحة وقائمة لتشريع قانون للسلطة القضائية تجمع فيه النصوص القانونية التي تنظم عمل المحاكم والهيئات القضائية في العراق وتعيين رئيس السلطة وصلاحياته وكيفية المحاسبة والمراقبة لأعمال جميع القضاة بدون استثناء.