هل تعتقدين أن موت نصف مليون طفل عراقي نتيجة للعقوبات الاقتصادية هو ثمن يستحق أن يدفع؟”
- “لقد كان هذا خياراً صعباً أمامنا، لكننا نعتقد أن الثمن يستحق أن يدفع”
بلا أدنى شعور بالخجل، هكذا كانت إجابات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت عندما سألتها الصحفية حول الحصار الجائر على العراق وشعبه. واليوم أوروبا وأمريكا تبكي وتعزي في وفاة عشرات فقط من الأطفال الأوكرانيين، إنها “وضاعة” الحضارة الأوروبية التي تتكشف مع كل حدث فارق.
بالطبع هذا لن يمنعنا من التعاطف الكامل مع الشعب الأوكراني، بل نحن الأحق في أن نكون في مقدمة المتعاطفين، فما نتعرض له من روسيا وأمريكا والأوروبيين كعرب ومسلمين يدفعنا إلى أن نكون رأس حربة الجبهة الرافضة للإرهاب الروسي.
ولكن، برغم تعاطفنا، صُدمت الشعوب العربية والإسلامية من وقاحة التعاطف الأوروبي مع أوكرانيا.
ولا أدل على ذلك من قول المذيع الغربي: “هذه ليست أفغانستان ولا العراق ولا سوريا.. إنهم يقتلون أناساً مثلنا تماماً”.
كعراقي من المحبط أن أرى ربط وحصر حدث كوفاة مادلين أولبرايت بصراعها مع مرض السرطان، وتصوير الأمر كمأساة إنسانية؛ لأن المأساة الحقيقية في وفاة مادلين أولبرايت هي أن ملايين العراقيين الذين ما زالوا يعانون من أفعالها وجرائمها لن يروا العدالة أبداً والأرواح التي يجب أن نحزن عليها هي مئات الآلاف من العراقيين الذين لقوا حتفهم نتيجة لأفعال مادلين أولبرايت.
مادلين أولبرايت هي أول وزيرة خارجية أمريكية
ولدت مادلين أولبرايت في تشيكوسلوفاكيا عام 1937 وفرَّت من النازيين في سنوات طفولتها خلال الحرب العالمية الثانية، وتعد من أكثر الشخصيات الأمريكية السياسية نفوذاً في جيلها.
وكانت مادلين أولبرايت أول امرأة تتسلم منصب وزير الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سماها الرئيس بيل كلينتون في 5 ديسمبر/كانون الأول 1996 لهذا المنصب لتكون وزير خارجية فترته الرئاسية الثانية، وتسلمت المنصب في 23 يناير/كانون الثاني 1997 لتصبح وزير الخارجية الرابع والستين للولايات المتحدة، وظلت في منصبها حتى 20 يناير 2001.
عُرفت أولبرايت بأنها من أدهى السياسيين الأمريكيين واشتهرت ببراعة الرد المناسب والحاسم. وصفتها “سي إن إن” بأنها كانت “شخصية مثالية براغماتية صاغت مصطلح (التعددية الحازمة) لوصف السياسة الخارجية لإدارة كلينتون”.
برغم ذلك، شهدت إدارتها للسياسة الأمريكية فشلاً متكرراً وحوادث عالمية أليمة، كالإبادة الجماعية في رواندا التي اعتبرتها هي “أكبر لحظة أسف” لفشل المجتمع الدولي في وقفها.
كذلك لم تحقق نجاحاً يُذكر في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. بل أوقفت بالفيتو الأمريكي، عام 2000، في محاولة لإدانة إسرائيل لقتل جنودها
الطفل الفلسطيني محمد الدرة بمشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، حيث جلس “الدرة” على ساقي أبيه، في مشهد حزين وأليم لم يستمر أكثر من 60 ثانية، وسط تبادل لإطلاق النيران، وبعده سقط الدرة شهيداً، وشيعت له جنازة شعبية تحدث عنها العالم.
رحلت مادلين أولبرايت لتترك وراءها آثاراً ثقيلة وآلاف الضحايا، وأسئلة حارقة من دون إجابة.