تدور أحداث الرواية بين أفراد عائلة ( المورو) التي تعود جذورها إلى أسرة نزحت من الأندلس، فرارا من بطش محاكم التفتيش، لتستقر غرب الجزائر.
حكاية أسرة بأجيالها الثلاثة، الجَد الأبناء و الحفدة، يربطهم ذلك الحُب الكبير بكل معانيه السامية، كالحُب العفيف، حب العلاقة الأسرية، حب الوطن، حب القرية، الحُب بكل عنفه و عنفوانه، العامل المشترك الذي لحّم أواصر كل تلك الأفراد، إلى أن صارت كالبنيان المرصوص، لكن تهب رياح التاريخ، و الانتماءات السياسية و المسارات الملتوية، و القناعات التي اخترعها كل واحد منهم على مقاسه أيام الثورة الجزائرية، لتفرّق و تشتت كل ذلك الشمل المتماسك، و تطوح به بعيدا، تبعثره كأوراق الخريف. تهاجر الأسرة و كل القرية إلى حدود المغرب، و تتابع الرواية مصائر الأبطال إلى زمن ما بعد الاستقلال.
زيادة على موضوع الحُب، تطرح الرواية قضايا اجتماعية، واصفة كيف تؤثر و تلعب بأبطال الرواية و كأنهم بيادق على رقعة شطرنج، مبرزة كل تلك العواطف و المشاعر المتأججة في أعماق أبطالها. اجتهد الروائي كثيرا في ابراز تلك الأفكار المتصارعة بينها، المتضاربة في أعماقها، و في كيفية تغيير ذهنية و فكر تلك الشخصيات، بالتالي سلوكاتهم و حركاتهم في العائلة و المجتمع، مركزا خاصة على فترة الثورة الجزائرية و الارهاصات التي صحبتها، و التطرق لذلك الصراع العنيف الذي وصل حد سفك الدماء بين الإخوة الأعداء. هذا زيادة على الثورة الدائرة رحاها بين فرنسا و الشعب بقيادة جبهة التحرير الوطني، التي كانت تقاتل عدو خارجي و عدو داخلي ( في نظرهم )، المتمثل في حزب مصالي الحاج و كل أتباعه و مريديه. هذا الحزب الذي يؤمن بقضية الحوار مع العدو لاسترجاع استقلال الجزائر، فانشقت عنه جماعة كانت تؤمن بالكفاح المسلح لطرد العدو من البلاد، مشكِلَة جبهة، رافعة السلاح في وجه العدو الفرنسي.
المشكل العويص كان في ذلك الاقتتال العنيف الذي دار بين المصاليين (نسبة لمصالي الحاج) و جبهة التحرير الوطني، الذي وصل إلى حد الاغتيال و الذبح بالسلاح الأبيض من كلا الطرفين، لكن لا نجد في الرواية اشارة لردة فعل المصاليين. كان نتيجة ذلك القتال سقوط أرواح بأعداد كبيرة من أبناء وطن واحد، و العدو الفرنسي، يتفرج و هو عدو الاثنين، يغتنم أي فرصة ذهبية لتأجيج الصراع بينهم، عسى أن يصرفهم عنها و محاربتها، و مَنح السلاح لأحدهم ليصل الصراع بينهم إلى حرب تدمرهم.
جسّد الروائي هذا الصراع الشديد بين الإخوة الأعداء، بين أخوين من عائلة ( المورو ) إدريس من أتباع المصاليين، و عبد البر أخوه من الجبهة، على القارئ تصور شِدة و عمق الصراع الرهيب المحتدم بين الأخوين، خاصة بعد تكليف الجبهة عبد البر باغتيال إدريس الذي نجى مرتين من محاولة اغتيال، خاصة بعد سماعهم بجمعه الأموال في فرنسا لصالح حزب المصاليين، ثم كلفوا مومس تعمل في ماخور، باغتيال إدريس الذي كان يضاجعها، لكنها لم تتمكن من ذلك، ربما لوقوعها في حبه، فطردته من غرفتها بعد اعترافها أنها جزائرية تحمل اسم مزيف، تعمل لصالح الجبهة و مكلفة بقتله، و الغريب في الأمر أن هذه المرأة ستصبح زوجته في أواخر أيامه بعد الاستقلال. يستطرد الروائي في سرد قصة قصيرة، يشرح فيها كيف صارت مومسا و كيف قَبِلها كزوجة، نلاحظ كيف تُستعمل الرذيلة و الجنس في الثورة من أجل انجاحها تحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، و كيف يعود الحب بعد انقضاء الصراعات.
بعد الاستقلال يعود إدريس إلى أرض الوطن، في سنة 1974. يتم دفن مصالي الحاج في تلمسان، يقوم إدريس بزيارة قبره للترحم عليه، في طريق عودته بسيارته، تقوم شاحنة عسكرية بمحاولة تجاوزه في طريق ضيقة، فتحشره و ترميه بسيارته في منحدر خطير، ليجد نفسه في مستشفى مبتور الساقين. محاولة اغتيال أخرى باءت بالفشل كالعادة، ليكون مصيره كرسي متحرك مدى الحياة، في الأخير يقوم بفتح بقالة يسميها بقالة الاستقلال، و مقهى يُطلق عليها اسم مقهى الاستقلال، فتحهما بالفرنك الفرنسي الذي جلبه معه من فرنسا.
بجرأة كبيرة حاول الروائي ولوج تلك المنطقة أو البقعة التاريخية، التي يمنع الحديث عنها و التكلم فيها، ولجها بكثير من الحذر، بتوظيف بعض أحداث تاريخية في عمله الروائي، لإبراز حقائق تم اخفائها عمدا. حقائق ربما يمكنها اسقاط رؤوس مازالت في دواليب السلطة، فينفجر لغم في وجه صاحب الرواية، مع ذلك تمكن من فتح ثغرة في المجهول المخفي عمدا، عسى القارئ أو الباحث تفتح له شهية مواصلة البحث و التنقيب في ذلك الممنوع.
تجنّب الروائي الغوص كثيرا في تلك الأحداث التاريخية، كي لا يخرج عمله من اطاره الأدبي الإبداعي، و الوقوع في عملية التأرِيخ التي ليست من اختصاصه، أشار و لمّح لأحداث محورية يمكن اعتبارها مفاتيح لحقائق موصدة أبوابها، كالاغتيالات التي حدثت أثناء و بعد الثورة. جيش الحدود الذي أشار له بحدود المغرب، كما نَقد بأسلوب غير مباشر سياسة الرئيس الراحل في تأميم الأراضي الزراعية تحت شِعار الأرض لمن يخدمها، بعد ذلك يتم ارجاعها لأصحابها، دون أن يغفل عن خيانة بعض الدعاة الاسلاميين الذين أوجبوا طاعة السلطة الفرنسية، و عدم الخروج عليها مهما فعلت، فيتم ذبح واحد من هؤلاء الذي كان أحد شخصيات الرواية، و الغريب أن مَن ذبح ذلك الإمام بأمر من الجبهة، سيتزوج زوجته ( العمة ميمونة ) بعد سنوات، ترى ما سِر هذا الزواج الذي كرره الروائي في سرده؟ زواج إدريس من مومس، و ميمونة مِن قاتل زوجها، هل هي طريقة لإعادة لَم شَمل تلك الأسرة و ترميم الشروخ من جديد؟
الرواية كُتِبت بكثير من العفوية، و السهولة و السلاسة، رغم عذوبتها المُرة، و مرارتها العذبة. عرف صاحبها بحنكته الأدبية العالية كيف يعبأها بذلك الكم الكبير من العواطف الصاخبة كالموج، عرف كيف يرصّعها بأفكار، تبرق كالنجوم في ظلمة الليل. الرواية كانت شغله الشاغل، تراكمت في أعماقه كالسُّحب الداكنة، إلى أن تدفقت كالشلال على ورقه الأبيض، كأن الرواية خرجت من النخاع إلى الوجود بعد مخاض طويل عسير، لفظها رحم الإبداع دفعة واحدة، لتكون كمولود رائع الخِلقة و الجمال، خرجت من أعماق الروائي غضة طرية مدججة بالعاطفة والفكر و التاريخ، فاتحة أفاق أخرى للقارئ في التفكير و التأمل.