لا أريد المبالغة والتهويل والتضخيم من باب الموضوعية، بخصوص عدد الجامعات الأهلية في العراق، فهناك 70 جامعة معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي، وهناك العشرات من الجامعات تعمل تحت عباءة الدين والعقيدة والرشوة. وهناك نفس العدد من النوادي التي تمتلئ بالطلبة لتلقي دروس الترفيه والغرام والثرثرة، مقابل صفوف فارغة تبحث عن زبونها النائم في البيت أو المتواجد في كافتيريا البرلمان العراقيِ
بالأرقام القياسية، عدد الجامعات الأهلية يفوق عدد المطاعم والمولات والملاهي التي أصبحت عند البعض مقياسا لجودة الرفاهية، وعلامة لتطور البلد، بعد أن كان العراق يفتخر بمعارضة التشكيلية ومسارحه وشعره وقصصه وغناءه الأصيل ومقاماته ورقصاته الشعبية وصوت السمفونيات، وجسوره المعلقة وجامعاته ومصانعه. معادلة صعبّة؛ استبدال العقل بالبطن، والكتاب بمسدس الكاتم والكاتيوشا!
هناك قصص مضحكة وحزينة تتوارد عن إنشاء هذه الجامعات، ومؤسسيها، وأسرار الولادة الأولى، ورشاوى الذمم ومزادات اللصوص، وفضائح الأحزاب ومافياتها وصفقاتها المتوالية بالمال الحرام. فاذا كانت مدخلات التأسيس متلونة بجميع قبائح الحياة، وفساد الذمم والضمائر، فما بالك عن مخرجات هذه الأسواق العلمية التي لا تنتج سوى شهادات ملفقة بألوان المال المسروق، وعلم لا ينتفع به، وشهادات مصمّمة لوظيفة برلماني انتهازي، ووزير لص جاهل، ووظيفة عليا مجرورة بدعم حزب سارق. أما خريجو هذه الجامعات، فليس لهم إلا التعايش مع شوارع العاطلين والبسطات والمقاهي، والعمل في أوكار المخدرات والجريمة والقتل.
لا أريد التعميم من باب الموضوعية، لكن معظم هذه الجامعات هدفها حصاد المال، وإنتاج البلادة، وتنشيط العلم الثابت وتجميد المُتغيّر، وتسطيح الأفكار وتعليبها، وتخريج أفواجا من معوقي العلم والابتكار. قصص كثيرة مضحكة أخجل من سردها حفاظا على ماء وجه الوطن الذي لا يستحق مثل هذه الجامعات الشبيهة “بعلوّة الخضروات” وأسواق “السوبر ماركت”.
أنا شاهد أثبات، خريج هندسة لا يستطيع ملئ استمارة للتوظيف باللغة الإنكليزية؛ بالكاد الاسم والعمر والتولد. خريجة صيدلة تستعين بعامل هندي لقراءة وصفة الطبيب. خريج هندسة حاسوب لا يجيد الهندسة ولا الحاسوب ولا الإنكليزية، وليس أمامه إلا الاستعانة بخبير متمرس لا يحمل شهادة في الحواسيب والبرمجة. مضحكات مبكيات للواقع المزرى!
ما يجري في مسالخ الجامعات نحر العلم بالآت الطمع والفساد، وسلخ المال من جلود العباد، وتنشيط الجهل والغباء والبلادة، وإضعاف هيبة الوطن وعقل المجتمع. كأن المشهد المخفي لما يجري؛ هو أطفاء نور العلم على الوطن وتحويله إلى ظلام دامس، لا نراه ولايرانا!
طبقيا، يمكن لأصحاب المال دخول الجامعة الأهلية بهدف الحصول على الشهادة من اجل وجاهة زائفة، و”كشخة” تفيد أيام الأزمات ومحن الانتخابات. مثلما هي بعد التخرج فساد ومفسّدة؛ يكفيك “شدّة واحدة من الدولارات” للحصول على وظيفة رسمية من متعهد حزبي “مؤسلم” يطالبنا ليل نهار بالبكاء على الحسين، وقراءة تعاويذ آل البيت والأنبياء والأئمة المعصومين!
الفرق بين شهادة سوق مريدي وهذه الجامعات، الأولى تعترف علنا بقبائحها في إنتاج علف علم التزوير، وتفتخر بمآثرها في التفوق على الأصل والفروع، والثانية تتباهى بتفقيص العلم بمفاقسها الاصطناعية، وإنتاج شهادات منتهية الصلاحية العلمية.
كان العراق رقماً صعبّاً في العلم، ومدرسة كبيرة في تخريج العلماء الذين تزدحم بهم مستشفيات وجامعات ومؤسسات العالم في الوقت الحاضر. بينما اليوم تمتلئ مفاقس الجامعات بالمعوقين من طلبة العلم الملقحون بلُقاح جامعات البلادة بمقياس الصفر على اليسار. وبات العلم يخرج من معاطف الأحزاب السياسية الفاشلة ليكون تجارة رابحة في مزاد العراق السياسي والمالي. ما معنى أن تضيف الصفر إلى الصفر ليكون الناتج صفراً ؟!
#هاشتاك / خليك-في-البيت-أحسن