في أعقاب سقوط الراحل دون عودة ، والمجتمع يعيش استقطاب طرفاه منتصر قادم للتصدي تواً ، ومهزوم حسب اعتقاده لإقصائه عن السلطة مؤخراً ، وكان الأمل يحدونا بعراق آمن مستقر ، عنوان حكمه الديمقراطية ، وتفرعاته حرية مُرشّدة وشعب مترف ومال محفوظ وحدود آمنه واقتصاد متنامي ومجتمع خال من الشوائب ، وفي نشوة النصر ، وتصديق الشعارات ، وسعياً وراء بناء وطن حر ، وتجربة ديمقراطية ، وإعمالاً لواجبنا الأكاديمي تجاه المجتمع ، دأبنا وزملائنا على عقد الندوات ، وإجراء اللقاء ، وإلقاء المحاضرات ، وإعداد الدراسات ، وتقديم المقترحات ، وفي إحدى زياراتنا لأحد أرفع المسؤولين في المحافظة ، وأنا أهم بدخول المكتب وإلقاء التحية على المدير ، صعقت بجالس خلف المكتب ، وظننت أنه متطفل ، تصرفه معتاد غير مستغرب ، لنزاقته وسوء تاريخه وأسرته ومسيرته،  وحاضره ليس أحسن من ماضيه، فهو سيء السيرة ، يده طويلة ، عمله مشين ، الخطأ عنده خط عام ، والصواب شطط ، لا يتشرف المرء بمجالسته أو تبادل أطراف الحديث معه ، وعملاً بأخلاقي ألقيت التحية ، وسألت عن مدير المكتب لإبلاغ المسؤول بوصولي ، فأجابني گلب آني المدير ، فدار بي المكتب ، وعزّت عليّ نفسي ، وبدا لي الأمر مجرد مزحة نزقة ، فأجبت أنا لم امزح مع جنابك ، ويبدو أن علامات الغضب بدت عليّ واضحة ، فأجاب بفضاضة وأنا لم أمزح ، فغادر المكتب الى حيث المسؤول ، وعاد ليبلغني بالدخول ، فدخلت مكتب المسؤول وقدماي تحثان الخطا على الوصول اليه ، لتبصيره بحقيقة مدير المكتب لو صحة ، فألقيت التحية وبادرت بسؤاله ، هل أبا فلانة فعلاً مدير المكتب ، فأجاب نعم مناضل قديم ، قضى جل حياته في البغاء والسمسرة والحرام ، فرددت هل تمزح أنه مدير المكتب ، فرد بأغلظ الأيمان أنه المدير ، فقلت له كيف ذلك ، فرد مشكلتكم أبناء السور الاعتزاز بالنفس ، وفوقية الرؤيا ، والتمسك بالموروث ، كل من سيدخل عليّ سيذكّر بالسور ، والسور غائب مندثر لم يبقَ منه غير الأسم ، فآليت على نفسي اختيار ديوث ” عذراً للفظ والمعنى ” لا يعرف كبار المدينة ، ولا يعترف بمن يعرف ، ليس لديه كبير إلا أنا والجميع رعية صاغرة ، فقرأت على المدينة السلام ، وبادرت للمغادرة ، فسألني لم نتحدث بما قدمت من أجله ، فأعلمته أنني لم أنته من الرأي القانوني وسأرسله حال جهوزيته ، وأنا أغادر راح بي التفكير بعيداً عن مصير الوطن ، ومصالح المواطن ، ومستقبل الجيل ، وأمانة من رحل وهو يقارع الظالم وحكمه ، واسترجعت نصح الفضلاء من رجالات الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، وحكماء المدينة ، وبعض الأصدقاء ، وأنا أتسلم مهام عملي عميداً لكلية القانون قبل أن أكون وزير ، أختر لمكتبك الصادق فالكذاب يضيع عليك صدق كثير ، واختر الأمين فإنه مكمن أسرار العمل ، وأنتقي نظيف اليد ، فالفاسد يبيعك لأبخس الدافعين ، عليك بأبن الأسرة ، فالدخيل هانت عليه نفسه ، ومن باب أولى تهون أنت عليه .
والمتتبع لسيرة المسؤول في الدولة العراقية وإن علا أو نزل ، يجد أن أس الخراب ، في مكتب المسؤول ، فمكتبه يستقبل ويحجب ، ويتعامل ويتصل ، ويطلب ويستلم ، ويتعين ويغادر مع عمه المسؤول ، كيف لا وهو جزء منه ، بل هو جزئه المتمم ، فالفساد والنزاهة منظومة ، كما النجاح والإخفاق ، فإذا أردت السؤال عن نزاهة وكفاءة المسؤول ، أسأل عن مكتبه ، فهو العنوان والدليل ، فالمنطق يقضي أن لا يُمثّل المسؤول النزيه مكتب فاسد ، وليس لمدير نزيه العمل مع مسؤول متهم ملطخ فاشل ، فالأثر يدل على المسير .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *