الشّعراء يلتهمون الكثير من اللّغة
ومن الأرصفة
فتُصاب أصابعهم بمتلازمة القصائد المثقّفة
وبصقيع المفردات الغريبة
و تتحوّل أقدامهم
إلى قطارات سريعة تعجّ بمسافرين لا يحملون تذاكر سفر ولا يتذكّرون عناوينهم…
الشّعراء لا ينمون خارج حقول المجاز،
يعتمرون القبّعات حتّى لا يرى أحد كلّ تلك الثّقوب في رؤوسهم
وحين يستيقظون من الشّعر
ينتصبون، في الشّوارع، فزّاعات لا تغفر لظلالها خطيئة الولادة…
الشّعراء سيزيفيّون يدحرجون القصائد نحو قمّة الثرثرة
ثمّ
يتركونها تتدحرج وحيدة إلى هاوية الصّمت
و يتساءلون دائما:
أيّهما كان الأوّل.. الشّعر أم التّصفيق؟ !!
الشّعراء
لا يمزحون مع حبيباتهم؛
يكتبون لهنّ قصائد تفوح منها عطور نساء أخريات
و يتركون أسرّتهنّ كلّما انتصبت أصابعهم من شهوة قصيدة !!
الشّعراء ثرثارون لدرجة لا تطاق !!
يكتبون عن كلّ شيء:
عن الأخبار السّاخنة،
عن الأخبار القديمة،
عن جحور النّمل و عن الوطن،
عن الحروب التي لم يخوضوها،
عن الجوع الذي لم يجرّبوه و عن النبيذ الذي لم يشربوه،
عن الله و عن الأنبياء
و يكتبون، كثيرا جدّا، عن النّساء و عن حبال الغسيل !!
الشّعراء مملّون جدّا
لدرجة أنّهم
لا يجيدون ممارسة الصّمت
ولا يذهبون إلى قبورهم إلّا بعد أن يكتبوا آلاف الوصايا الغبيّة…
الشّعراء.. كما الشّاعرات…
لهذا
أنا أكره أن أكون شاعرا طول الوقتْ !
أكره أن يحدّق بي الطٍّريق الاسفلتيّ،
و هو يمرّ بجانب المقهى،
دون أن يضحك من ثقوب رأسي…
أكره أن أعُجَّ بغرباء لا أحد ينتظرهم في محطّاتي..
أكره أن تتقاسم امرأة أخرى مع حبيبتي نفس القصائد
وأكفر بكلّ الشّعر حين تكون أنوثة حبيبتي كلّ المجازْ…
أكره أن أكون شاعرا طول الوقت
لأنّي رجل لا يخون ظلّهُ
ولا يكتب عن الوطن…
أكره أن أكون شاعرا طول الوقت
لهذا أضحك كثيرا جدّا معي/ مع الآخرين/ مع النّمل
ولا أكتب عن الأخبار السّاخنة…
أكره أن أكون شاعرا
وأعشق الصّمت
فوحدها شارات النّصر التي رفعها جنود لم يعودوا
و صور حبيباتهم المذهولة من برودة أصابعهم في الموت
تستحقّ التّصفيق..
هيثم الأمين / تونس