أخيرا ذبل هذا الجمال وجفت ينابيعه كما تذبل الوردة النضرة ، خبا بريق العينين واختفت تلك الهالة من النور من صفحة الوجه كأنما غشيته سحابة ثقيلة .
كان وجها مشرقا مضيئا جذابا وكانت ملامحه تفيض حيوية وبهاء فما الذي أطفأ هذا الجمال كله؟
وما الذي أحال صفحة الوجه من نضارة الى ذبول ؟
أهو الزمن ؟ يا لغدر الزمن .. ماذا يفعل بنا ؟
أنت ترى في الربيع كل ما يسرك ، فما أروع الورود بألوانها الحمراء والصفراء والبيضاء تملأ ساحة حديقتك في منظر بديع يهز الوجدان ، لكن هذا المنظر سرعان ما يتغير بمرور الأيام فتذبل تلك الورود وتتساقط قمم الجمال عنها مخلفة لك الحسرة والتأفف.. لقد تهاوى الجمال عن عرشه فبدت الحديقة جرداء حتى الشجر جفت أوراقه .
ان هذا الربيع الذي يغمر الكائنات بدفئه وشبابه ما يلبث أن يتوارى مخلفا وراءه الآهات .
ما هو السر وراء انطفاء هذه الشعلة الوهاجة ؟ وأين ذهبت ملامح الوسامة والجمال من صفحة الجمال المتألق ؟
كيف حدثت هذه الانتقالة العجيبة في بضع سنين لتحيل النار الى رماد ؟ أية خلايا وأنسجة تلعب لعبتها في هذه المعادلة العجيبة ؟ أية قوانين مجهولة تحكم قبضتها في البدن ؟ أهي ثمة أطوار لا بد منها لترسم النهاية المحتومة ؟ اذ كيف تحول الربيع الى خريف ؟ وكيف تحول الشباب الى كهولة وشيخوخة ؟
هكذا جفت الينابيع لتتغير الصورة الجميلة الى صورة باهتة .
من أغرب الحقائق التي نلمسها في حياتنا هو أننا نعشق الجمال ونتشبث به غير أن هذا الجمال لا يدوم ، انها مسألة وقت ليس الا ، اذ الأيام كفيلة باطفاء شعلته واخماد توهجه .
ترى هل نتعظ أم نتناسى ونتغافل أمام هذه الحقائق ليكون الغرور مرافقا للمرأة الجميلة ؟
ان الجمال هبة من الله يمن به على من يشاء غير أنه سلاح ذو حدين ، فقد يكون فتنة لصاحبه ينحدر به الى الطريق الوعر ومنزلقا الى الأهواء وتصيدا في الماء العكر .
وقد يكون نعمة لصاحبه اذا أدرك كيف يكون الحفاظ على ماء الوجه من غير غرور أو تهور أو طيش .
ان الله جميل يحب الجمال وأن العين تعشق كل جميل ، أليس الأجدر بنا بعد ذلك أن نصون هذا الجمال من غير عبث ولا ابتذال ؟ وانه اذا لم يقترن بقيم الروح والوجدان فلا جدوى حينئذ ولا طائل .