يعيش العراق هذه الأيام سلسلة أزمات مترابطة يشد بعضها عرى الأخرى بقوة ووثوق ، فالأزمة المجتمعية في أوجها ، أبن يقتل أباه كونه مخمور أو تحت تأثير المخدرات ، وزوجة تذبح زوجها وأولادها من أجل عشيقها ، ورب أسرة يقتل أسرته وينتحر للهروب من تراكم الديون ، أو بسبب البطالة ، أو لتورطه في قتل أو انتماء لتنظيم منحرف أو لاعتقاده أن في الدنيا الأخرى كريم لا يظلم عنده أحد . وألقت الازمة الاقتصادية بظلالها على واقع المجتمع العراقي ، فالامي وحامل اعلى شهادة في حقل الاختصاص يعيش إشكالية البطالة ، يقف خريج العراق واوكرانيا وبريطانيا في طابور الباحثين عن العمل ، والسوق طارد يبحث عن الابخس ثمناً ، وحتى الابخس والقابل بالقليل مهدد بالإقالة لقلة العمل وشح الاستثمار وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وممارسة الابتزاز .
أما أزمة الظواهر الدخيلة المتنامية فراحت تجتاح المجتمع ، ابتزاز إلكتروني ، وعنف اسري ، ومؤثرات عقلية وتحلل مجتمعي ، بعض من عد من الرجال ، ظلماً وعدواناً ، يتمظهر بمظهر المرأة ، شعر يخط على الاكتفاء ، مصبوغ مربوط يشده خيط مزركش ، معصم يقيد الرسغ ، بنطال ضيق ينزل
من الأعلى ، قصير من الأسفل، يقيناً بقصد الحفاظ عليه من تراب الأرض وعوارضها !!!!! يترنح يمين ويسار ، يميل كيفما تميل الريح ، لرقة جسمه وضعف عظمه ، أما بعضهن والقلة منهن أكيداً ، فحلقت شعرها كما العسكري الملتحق حديثاً للخدمة ، وفروة الرأس تغطيها ألوان الطيف الشمسي ، تخرج كما يحلو لها ، وتعود حينما تنتهي نزهتها ورغبتها في طي الشوارع والأسواق والمولات ، ومن يتعرض لها بالحساب أو السؤال ، معنف خارق لتعاليم الدين ، مخالف لأحكام التشريعات ، متخلف رجعي قبلي . وراحت الأزمات الأخلاقية تتنامى ، التصوير خلسة جائز ، ونشر الأكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي ، بالاسم الصريح أو الوهمي ، مقبول مستساغ غير مجرم ولا معاب ، تسجيل الأحاديث ونشرها  بقصد الابتزاز او تصفية الحساب ، غير مرفوض اجتماعياً ولا معاقب عليه تشريعياً ، أما فتح الحاكي وتسجيل المكالمة فراح عادة يجاهر بها البعض وكأنها شيمة وخلق ورجولة وفروسية .
تنظيم ضوابط
وعلاقة الأصل بالفرع ، والكبير بالصغير تسودها الحميمية التي لا تحدها حدود ، ولا تضبطها إيقاعات ، ولا تنظمها ضوابط ، الابن يؤرگل دافعاً دخان نافثته في وجه أبيه ، والأب مختال فخور بأبن صار رجلاً ناهض يؤرگل ويدخن ويتعاطى ويشرب الخمر .
عجيب أمرك العراق ، وغريب أمر القائم على الأمر ، ومفهومة غايات من خطط وسهر ومول وأجزل العطاء من أجل الإيقاع بالعراق بلد الحضارات ، ومهد الديانات ، وموطن الأنبياء والأئمة الاطهار ، منبع الأخلاق ومصب الغيرة ومجرى العادات الساميات ، في العراق الشرف والغيرة والتدين والكرم ، في العراق العلم والفقه والأدب والفن ، في العراق الشجاعة والنخوة والرجولة والأنوثة ، وبالقطع أن المتتبع لمجرى الأحداث ومسيرة المتغيرات وتتابع الجسام ، يتقين أن أمر الاطاحة بالعراق دُبّر بليل ، في أروقة سرية ، عالمية واقليمية ومحلية ، ساعد على تنفيذه من ادعى الوطنية والانتماء للعراق والتعلق بالأرض والغيرة على الماء والسماء ، والعراق منهم برآء . أما وقد وقع البلد في شرك من خطط ومول ونفذ ، وأضحى فريسة كل ذي ثأر ومغتاظ وحاسد ، حيث أصبحت بغداد العاصمة الاقل آمناً وعمراناً ونهضة وتطور ، والبلد إجمالاً الأكثر هشاشةً والاقل استقراراً ، والمجتمع أقل تماسك وتآزا وتعاطف ، والخدمات أقل تطوراً واستجابةً للحاجة المتنامية ، والاقتصاد أوهن أمناً وتلبية للحاجات ، على المتصدي اليوم الوقوف أمام مسؤوليته التاريخية والضرب بيد من حديد على رقاب وايدي ، من خرب وهدم وتآمر وتخابر  وأفسد ، فقد ساد الخراب وعمّت الفوضى وعبث المقامرين والفسّاد بثروة البلاد وأمن العباد ، ودخل اليوم الوطن في النفق المظلم الذي راح ينذر بخطر داهم وشر مستطير ، فلم يعد الفاسد يخشى السلطة ، وراح الإرهاب يدق أجراس الخطر من جديد ، وارتفع صوت المنظّرين ممن تصدوا لاعلى المناصب السيادية ، مناصراً ومدافعاً ومطالباً بالصفح ، عمن ازهق الأرواح وسبى النساء وهدم الموروث وحرق تاريخ أرشف لبلاد الرافدين ، بل راح بعض المتصدين اليوم يجاهرون بالنصرة للإرهاب وكما فعلوها اول مرة . على ساسة العراق ممن قبلوا التصدي ، واشتركوا في إدارة الملف وحملوا الأمانة ، الخشية على تاريخهم كما وطنهم ، فالتاريخ يدون ، والأقلام تؤرشف والذكر خالد ببؤسه وإحسانه ، ويقيناً أن المهمة شاقة والتصدي عسير والطريق محفوف بالمخاطر ، لكن الفاسد والإرهابي والمناصر ينظر للمتصدي كيفما يكون يتعامل معه .
وربما أضحى العراق اليوم على حافة الخطر ، وفي مفترق طرق ، بين الانهيار والتقسيم والتقزيم لا سامح الله ، وبين نفض غبار الفساد والانقضاض على الإرهاب وفضح المتآمر من الشركاء ، ومكاشفة الشعب بحقيقية ما يجري ، فالمؤامرة كبيرة والمخطط عميق والمآل ينذر بمصير مجهول ، وعلى الشركاء الساسة مغادرة الخلافات الشخصية وتغليب المصلحة الوطنية ، فقواعد الديمقراطية غالب ومغلوب ، ومنتصر ومهزوم ومتصدي ومنزوي ، فلو دام الحال لمتصدي بعينه ، لدار الحديث عن الشمولية لا الديمقراطية ، فسلامة الوطن فوق الاعتبارات الشخصية.
أمن المواطن
وامن المواطن هدف مقدم ، فخلافات الساسة من قواعد الديمقراطية ، لكن هذه الخلافات تقف حيث يُمس أمن المواطن ، وتتسامى حيث يكون مصير الوطن على المحك ، فالعبور بالوطن من حقل الألغام سالماً معافى غاية لا حيدة عنها في النظم الديمقراطية ، والصراع في ميدانها أمر معتاد قائم في النظم الواحدية ، فعلى الوطنيين في العراق تأكيد جدارتهم بقيادة المرحلة ، واثبات وطنيتهم ، بالتسامي عن الصغائر والترفع عن الجزئيات والوقوف عند الكليات ، فسلامة العراق أسمى من كل الفرعيات ، والعبور بمواطنيه الى بر الأمان غاية لا مقدم عليها ، فأما تصدٍ مُشرّف أو رحيل غير مأسوف عليه .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *