طمسوا في حيص بيص، وبانت ضحالة ارتباطهم بالتراب كمصير أبدي، وتراهم سكارى وما هم بسكارى، ويا ليتهم سكارى لعذرناهم، وهم يتنقلون بين المنازل مجتمعين وعيونهم في سقوف رؤوسهم من دون تدبر لأمر، ومن دون وضوح في الأفق لمعرفة ما الخطوة التالية.
تأتي المواعيد الدستورية وتفوت، ولا أحد يقف عندها مكترثا، وكأنّها مواعيد نشرة أخبار بائتة لا تهم أحداً.
ثبتَ بالدليل الملموس، أنّ الدستور هو أسهل الضحايا وأكثرها خضوعا وخنوعا واستسلاما، فهو مجرد بنود، لا تصمد امام الذين نقضوا العهود والمواثيق آلاف المرّات مع الشعب المظلوم الذي انتخبهم مراراً على أمل أن يكون فيهم أمل، وظهرَ انّ ذلك من العبث.
رؤوس كبيرة يفترض انها تمرست في الحكم، بالرغم من انّ البلاد لم يكن فيها يوما حكم مستقل من دون تلك اليد الخارجية التي تحرك وترفع وتخفض كما تشاء.
حركة من مفردات سياسية لفظية بسيطة جديدة تشبه الايماءة، خربطت وجودهم وجعلتهم يتباكون على أمجاد لم تكن يوما سوى انقاض، ولكن شُبه لهم. فكيف اذا كانت هناك حركة تغيير جوهرية وجذرية تجتث الفاسدين والقتلة والمزورين واللصوص من صدارة المشهد وترمي بهم في اقفاص المحاكم امام ملايين الجياع والمظلومين والمنكوبين والمتعبين والمقهورين في بلاد الرافدين.
أيّ حل مقبل، لا يكون وطنيَ المنبع والمصب، يعني انّ البناء قائم على رمال متحركة وسيهوي بالقصور والعمارات والرايات والاوثان والصوامع التي بنوها ظنّاً منهم انها أبدية وهم ماكثون فيها الى الازل، على الرغم من تقلب الأحوال والازمان والرؤوس.
انهم، لا يدركون انهم محاصرون في ربع الساعة الأخير، بعد أن أهدروا الفرصَ سنوات وسنوات في ضياع وتبديد وتفليش.
فيا ترى هل سيدركون أمرهم في الدقائق الأخيرة الباقية فتُكتب لهم حياة أخرى، أم انّ حياة العراقيين التي ظنوا انها اندرست ومحيت، ستنتصر برغم جراحاتها وتكون كالطوفان الذي سيهدر مرعباً وقاسياً لكنّه بالنتيجة سينظف الأراضي ويتركها خصبة لنبات جديد؟