كلما أمعنت النظر في المرآة أصابتها رعشة في بدنها , لقد تجاوزت الأربعين , وها هي وجلة خائفة مرتعبة .
زحف عليها الكبر ودخلت مرحلة الكهولة ومعها سن اليأس , يا للهول .. وقد كانت حريصة على ذلك الجمال الذي لم تتوقع أن ينطفيء يوما لكنه خبا الآن وتراجع أمام ضربات الزمن وساعاته التي لا تتوقف .
كل من جاء يطلب يدها رفضته وأغلقت الباب بوجهه لغير سبب معقول غير عابئة بما يقال .
قالت لها أمها بحزن وألم :
– أنت تهربين من الزواج كالهارب من النار .. ما قصتك ؟
فترد بهدوء :
– ان الزواج قيد وأنا أكره القيود .
– هذا قول لا معنى له .
– انها حياتي وأنا التي أتخذ قراري
– ستندمين .
– لن أندم .
وحاول أبوها من جانبه أن يثنيها عما يدور في رأسها لكنها أغلقت أذنيها فلم تسمع .
كانت في حينها متألقة كوردة عطرة في بستان , تحلق في الأعالي مع شباب يفيض حيوية وجاذبية , ترتدي الثوب الذي يكشف محاسنها , وخصلات شعرها تلمع كالذهب .
كلما نظرت في المرآة ازدادت غرورا .. ما الذي تريد ؟ وما الذي تسعى اليه ؟ هل لديها ثمة عقدة من الرجال ؟ أم هي ترى أن لا رجل جدير بامتلاك هذا الجمال .
وكلما ردت رجلا يطرق بابها ازدادت خيلاء , ولم تكن من الغباء بحيث تتناسى مستقبل حياتها , بل تجاوزت الطموح نفسه بعد أن أكملت دراستها الجامعية بتفوق .
لقد كانت تفكر بغرابة وهي ترى في الزواج شراكة بين اثنين في كل شيء , وهي لا تريد الا أن تكون واحدا , واحدا فحسب , منطق قد يبدو غريبا لكنها آثرت أن تكون لها شخصيتها المستقلة , لا تخضع لأحد ولا يحكمها أحد ولا يمس جمالها أحد كنخلة باسقة لا يجني ثمارها أحد .
تسافر لوحدها وتلهو لوحدها وتفكر لوحدها , وتحلق في دنيا الأحلام لوحدها , ولم تدرك حينها بأن السنين ستعصف بجمالها وأفكارها وأحلامها , وتحيلها الى ذرات رماد باهتة , لم تدرك بأن السنين قاسية لا ترحم أحدا ولا تعفو أحدا , وأنها ستكون ثقيلة على أنفاسها .
وحينما تركض السنون متخطية كل الحواجز فانها ستقف عاجزة عن ايقاف مسيرتها ,وهي الآن تكاد تكون وحيدة , ليس معها سوى أمها العجوز المتعبة بعد رحيل أبيها ومفارقته للدنيا آسفا على مصيرها .
وكلما نظرت الى المرآة ارتدت على أعقابها , أحقا فارقها شبابها وفارقها جمالها ؟
وهي في حيرة , مضطربة لا يهدأ لها خاطر .. ما الذي يمكن أن تفعله بعد فوات الأوان ؟
ان شمسها آفلة لا محالة , وأن ضوء القمر قد تلاشى مع رحلته الأخيرة , وخريف العمر يدق ناقوسه من حولها .
لقد أخطأت خطأ فادحا حينما أصرت أن تكون عزباء لا يشاركها أحد رافضة فكرة الزواج بعناد غريب , وهاهي الآن تشكو الوحدة لا أنيس ولا رفيق , لو كان لها زوج ولو كان لها أولاد لكان لحياتها معنى آخر غير الذي هي عليه , لو أنها استقامت لها الفكرة كامرأة لها مشاعرها , كامرأة لها نبضات قلب , غير أنها تناست عامل الزمن وتلك هي مأساتها .
وألقت بنفسها أخيرا على السرير متسائلة :
– هل سيطرق الباب أحد ؟