على الرغم من المأزق الاقتصادي الحاد الذي يعيشه الشعب العراقي بصورة عامة, وأبناء الوسط والجنوب بصورة خاصة, تتصارع قوى الفساد الحزبية للاستئثار بأكبر عدد ممكن من المناصب والمكاسب والامتيازات, متذرعة ومتدرّعة بما تسمّيه استحقاقات المكون الأكبر، والذي يعاني الأمرّين منذ تسلط هذه الأحزاب والقوى على مقدرات البلد بعد انتخابات عام 2005 وإلى يومنا هذا.فبعد انتخابات تشريعية مبكرة جرت في تشرين الأول من العام الماضي, كانت هذه الأحزاب تمنّي النفس بالإبقاء على مناصبها ومكاسبها ومغانمها التي حصلت عليها بالحيلة والخداع طيلة الانتخابات التي جرت سابقاً, ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن هذه الأحزاب, وكأنها لا تفقه في دهاليز السياسة والانتخابات شيئاً, إذ إنَّ النظام الانتخابي الجديد المعدل (والذي كان إحدى المطالب الرئيسة لثورة تشرين المباركة) قد كشف زيف وغش وخداع هذه الأحزاب, فهذا النظام الانتخابي الجديد أعطى لكل ذي حق حقه, وحجمه الحقيقي والطبيعي, فضلاً عن خذلان جمهور هذه الأحزاب لها بعد أن يئس من وعودهم وآمالهم الكاذبة, والتي وبعد كل انتخابات انتخابات, ما إنْ يتحصلوا على مرادهم من الكراسي والمناصب, حتى يتنكروا لها ويغضّوا الطرف عنها, لا بل أنهم يمارسون أقسى أنواع الاضطهاد والتنكيل والتشويه الإعلامي ضد كل من تسوّل له نفسه المطالبة بتلك الحقوق من مواطني (المكون الأكبر) الذي يدعون تمثيله, وخير شاهد على ذلك ما فعلوا بثوار تشرين من قتل وخطف وتعذيب وتنكيل ودس وتشويه وتسقيط طيلة أيام الثورة وحتى يومنا هذا.
شرعية الانتخابات
وبعد الصدمة النفسية القاسية التي تلقتها هذه الأحزاب جراء خسارتها المدوية في الانتخابات الأخيرة, أنْ كانت أول ردة فعل لها هي الطعن بشرعية الانتخابات ونزاهتها (وكأن نزاهة الانتخابات تتحدد بفوزهم لا غير), ومن ثم جيّشوا بعضاً من جيوشهم بواسطة الترغيب والترهيب ليخرجوا بتظاهرات أقل ما يقال عنها أنها تمثيلية كوميدية أبطالها قادة الفساد والقتل في العراق, وممثلوها الثانويون هم ثلة من الشباب العاطلين الذي أجبرتهم صعوبات العيش على الانتماء تحت لواء هذه الأحزاب ليحصلوا على فتات من موائدهم النتنة المليئة بمعاناة ودماء وآهات العراقيين.ولمّا فشلت هذه المحاولة أيضاً, لجئوا إلى حيلتهم القديمة الجديدة أو المتجددة بعد كل انتخابات, أَلَا وهي التكتل والانضواء تحت راية (المكون الأكبر) الخدّاعة الكاذبة, في محاولة بائسة لاستجداء ودغدغة مشاعر بعض البسطاء ممن لا يزال تنطلي عليه مثل هذه الحيل والأكاذيب.. فكانت أولى إجراءات هذا التكتل الماكر المخادع, هو عرقلة جلسات البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية وباقي الاستحقاقات الأخرى التي ينتظرها الشعب بفارغ الصبر بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها البلد.. وبكل وقاحة وصلافة أنفقوا ملايين الدولارات لشراء ذمم بعض النواب الجدد من أجل الانضمام إلى تكتلهم وعرقلة سير العملية السياسية, ولو أنفقوا هذه المليارات على فقراء (المكون الأكبر) لَما احتاجوا لكل هذا التحشيد والتجييش وشراء الذمم, ولتحصلوا على المواقع والمناصب التي يبغونها دون عناء ومشقة.. ولكن من أوغلت يداه في أكل السحت الحرام, ونبت لحمه من دماء المساكين والأبرياء, من غير الممكن أن يُرتجى منه خيراً أو منفعةً.وفي ضوء كل ما تقدّم، يتبادر إلى ذهن كل عراقي وطني غيور, سؤال مفادهُ: هل يذهب العراق صوب دوامة جديدة من العنف أو حتى حرب أهلية (لا سمح الله) تحت فرية تحصيل حقوق (المكون الأكبر)!؟.. أم أنه ذاهب نحو عملية ديمقراطية عرجاء (مثل كل مرة), خاصةً بعد أن رمى السيد مقتدى الصدر (صاحب الكتلة الفائزة في الانتخابات) الكرة في ملعب أصحاب فرية المكون الأكبر!؟.. وهل سيشكّل السيد الصدر تحالفاً معارضاً في البرلمان العراقي يمتلك القدرة على الوقوف بوجه النخبة السياسية الفاسدة التي رسمت سياسة العراق بعد عام 2003, وعاثت فيه فساداً وظلماً منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا؟؟..أعتقد أنَّ الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت, خاصة بعد مهلة الأربعون يوماً التي منحها السيد الصدر لأصحاب الفرية..

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *