كان‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أبلغ‭ ‬العرب‭ ‬وأفصحهم‭.. ‬أوتي‭ ‬من‭ “‬جوامع‭ ‬الكلم‭” ‬وهو‭ ‬القائل‭: “‬أنا‭ ‬أعربكم،‭ ‬أنا‭ ‬قرشي‭ ‬واسترضعت‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬بكر‭”. ‬وكان‭ ‬كلامه‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الجاحظ‭: ‬هو‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬قلَّ‭ ‬عدد‭ ‬حروفه،‭ ‬وكثر‭ ‬عدد‭ ‬معانيه‭. ‬لم‭ ‬تسقط‭ ‬له‭ ‬كلمة،‭ ‬ولا‭ ‬بارت‭ ‬حجة،‭ ‬ولا‭ ‬أفحمه‭ ‬خطيب‭.. ‬فأين‭ ‬الفصحاء‭ ‬والبلغاء‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬رسول‭ ‬الله؟‭!.‬

‏وأنت‭ ‬تزداد‭ ‬حباً‭ ‬للبيان‭ ‬العربي‭ ‬وتتشوّق‭ ‬كلما‭ ‬قرأت‭ ‬أكثر،‭ ‬وتتعمّق‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬والتراجم،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإطالة‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والقصر‭ ‬في‭ ‬الخطبة‭. ‬وتتجلى‭ ‬المعاني‭ ‬البديعة‭ ‬في‭ ‬قوله‭: “‬نحن‭ ‬معاشر‭ ‬الأنبياء‭ ‬فينا‭ ‬بكاء‭” ‬أي‭ ‬قلّة‭ ‬في‭ ‬الكلام‭. ‬
‏وأستاذنا‭ ‬العقاد‭ ‬يقول‭: ‬جمال‭ ‬فصاحته‭ ‬في‭ ‬نطقه‭ ‬كجمال‭ ‬فصاحته‭ ‬في‭ ‬كلامه‭. ‬
‏الله‭ ‬الله‭.. ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬النبي‭ ‬أعرب‭ ‬العرب‭ ‬وسيَّدهم‭ ‬وقد‭ ‬نشأ‭ ‬كما‭ ‬يشرح‭ ‬لنا‭ ‬مصطفى‭ ‬الرافعي‭ ‬في‭ ‬أفصح‭ ‬القبائل‭ ‬وأعذبها‭ ‬بياناً؟‭. ‬
‏فكان‭ “‬مولده‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬هاشم،‭ ‬وأخواله‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬زهرة،‭ ‬ورضاعه‭ ‬في‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬كعب،‭ ‬ومنشؤه‭ ‬في‭ ‬قريش،‭ ‬ومتزوجه‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬أسد،‭ ‬ومهاجرته‭ ‬إلى‭ ‬بني‭ ‬عمرو،‭ ‬وهم‭ ‬الأوس‭ ‬والخزرج‭ ‬من‭ ‬الأنصار‭”.‬
‏وهذا‭ ‬هو‭ ‬النحوي‭ ‬البصري‭ ‬يونس‭ ‬بن‭ ‬حبيب‭ ‬يقول‭: ‬ما‭ ‬جاءنا‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬الكلام‭ ‬ما‭ ‬جاءنا‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬
‏وعندما‭ ‬قالوا‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬أفصحك‭. ‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أعرب‭ ‬منك،‭ ‬قال‭: “‬حُقَّ‭ ‬لي،‭ ‬وإنما‭ ‬أُنزِلَ‭ ‬القرآن‭ ‬عليَّ‭ ‬بلسان‭ ‬عربي‭ ‬مبين‭”.‬
‏ومفكرنا‭ ‬الكبير‭ ‬أبو‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفصاحة‭ ‬بأبهى‭ ‬صورها‭ ‬فهي‭ “‬الغاية‭ ‬في‭ ‬البيان،‭ ‬والنهاية‭ ‬في‭ ‬البرهان‭”. ‬ويختار‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬البصائر‭ ‬والذخائر‭” ‬باقة‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬أحاديثه‭ ‬الشيّقة،‭ ‬الشريفة،‭ ‬البليغة،‭ ‬الجميلة‭.‬
‏ومن‭ ‬كلامه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬حين‭ ‬ذكر‭ ‬الأنصار‭: “‬أما‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬علمتكم‭ ‬إلا‭ ‬لتقلّون‭ ‬عند‭ ‬الطمع،‭ ‬وتكثرون‭ ‬عند‭ ‬الفزع‭”.‬
‏ومن‭ ‬أدعيته‭ ‬المأثورة‭: “‬استعيذوا‭ ‬بالله‭ ‬من‭ ‬طمع‭ ‬يهدي‭ ‬إلى‭ ‬طبع،‭ ‬ومن‭ ‬طمع‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مطمع،‭ ‬ومن‭ ‬طمع‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬مطمع‭”. ‬
‏وقوله‭: “‬الدنيا‭ ‬سجن‭ ‬المؤمن‭”. ‬
‏وقوله‭: “‬المرء‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬أحب‭”. ‬
‏وقوله‭ ‬في‭ ‬التوديع‭: “‬أستودعُ‭ ‬اللَّه‭ ‬دينك،‭ ‬وأمانتك،‭ ‬وخواتيم‭ ‬عملك‭”.‬
‏وقوله‭ ‬لأنجشه،‭ ‬وكان‭ ‬يسير‭ ‬بالنساء‭ ‬في‭ ‬هوادجهن،‭ ‬يحدو‭ ‬بالإبل‭ ‬وينشد‭ ‬القريض‭ ‬فتهتز‭ ‬الهوادج‭ ‬بالنساء‭: ” ‬رويدك‭ ‬يا‭ ‬أنجشه‭ ‬رفقاً‭ ‬بالقوارير‭”.‬
‏وقوله‭: “‬الأرواح‭ ‬جنود‭ ‬مجنَّدة‭ ‬فما‭ ‬تعارف‭ ‬منها‭ ‬ائتلف،‭ ‬وما‭ ‬تناكر‭ ‬منها‭ ‬اختلف‭”.‬
‏وقال‭ ‬جرير‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭: “‬ما‭ ‬رآني‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلا‭ ‬تبسَّم‭ ‬في‭ ‬وجهي‭”.‬
‏والسيدة‭ ‬عائشة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬فسَّرت‭ ‬أسرار‭ ‬هذه‭ ‬الفصاحة‭ ‬وهذا‭ ‬الإعجاز،‭ ‬بقولها‭: “‬ما‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يسرد‭ ‬كسردكم‭ ‬هذا،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬يتكلم‭ ‬بكلام‭ ‬بيِّن‭ ‬فضل،‭ ‬يحفظه‭ ‬من‭ ‬جلس‭ ‬إليه‭”.‬
‏وفي‭ ‬حضرة‭ ‬سيد‭ ‬الفصحاء‭ ‬والبلغاء‭ ‬قال‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬رائعته‭: ‬
‏فما‭ ‬عرَفَ‭ ‬البلاغةَ‭ ‬ذو‭ ‬بيانٍ
‏إذا‭ ‬لــم‭ ‬يتَّخذكَ‭ ‬له‭ ‬كتابـــا‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *