یُقال أنَّكَ في أشدِّ لحظات الوحدة یتوجَّب علیك أن تقسم ذاتك إلى جزئین كي تُشبِع غریزة التَّواصل لیبدأ التَّواصل مع ذاتك الآخر فَتُعجب بھا و تتأثَّر بنفسك لتبدأ بتقلیدك و لتتحوَّل العلاقة لما یفوق الصَّداقة بعد أن سعیت جاھداَ لِتُحقِّق شرط الحكمة الأزلیة في قسم ذاتك . وبعد أن تُشبِع غریزتك في التّواصل تعود لنقط البدایة وفي مرحلة
مُعیَّنة تفقد الهویَّة لیندمج القسمین مُجدَّداً بِنفسك فتتسائَل مُتعجِّباً ھل أنا حقاً أنا أم أنّي الشَّخص الغریب !!
ذاك السُّؤال الأزليّ الذي یصدح في مؤخَّر رأسك في كلّ صباح وتستیقظ لتجد یوماً أنَّك فقدت ملامحك الأساسیة وتحوَّلت إلى نفسك فتتكرر الأسئلة وتتكرر الأجوبة لتضیع في دوامة من التَّساؤلات التي ھي ذاتها الإجابة .
لقد قرأت في الأساطیر عن العذاب الأزلي وعن نقمة الآلهة على البشر أو العكس أو حتى نقمة الآلهة على بعضھا البعض وحكمها بالعذاب على من تتمكَّن من إلصاق العذاب به ، یُفاجئني أنَّ قِلَّة قلیلة حصلت على نعمة الآلهة ورضاھا فكیف أتوقَّع من نفسي أنْ أحصل على نِعمة نفسي ورضاھا وثم رضى إله الكون ، إنَّها مَفارَقة كیمیائیَّة تُسقِط دماغك في ھُوَّة من التَّصوُّرات وأفقٍ من الضَّیاع تجعلك تُحلِّق ضمن ھذا الفراغ الكیمیائي ظنَّاً مِنك أنَّه المهرب أو الحل المؤقت على الأقل وتحاوِل إقناع نفسك بقسمیها أنَّ الوضع مؤقَّت وكلّ التُرَّھات ستزول ، هنا تُحاوِل إقناع نفسك أنَّ الأصوات لیست إلا أصداء من حیاة سابقة وإنَّ مَن ینهش جلدك ویغرز أسنانه بك ھو مُجرَّد انتقام من الآلهة وإنَّ ماحَكم علیك ھو ما حُكِم على إله الاغریق فتتوق روحك للتحرُّر وتتوق للإنعتاق .
بضع طرقات خفیفة یُسمَع صداھا في جوفك الذي خلا من كلِّ شيءٍ إلاّ أنت فتعزِم نفسك إلیك وتُشعِل لفافة تبغ وتنفخ دخانها بمحیط كلّ شيء واھماً نفسك أنَّها رائحة البخور من الكنیسة المُجاورة كمن یدسّ السُّمَّ لذاته في الطعام ألف مرَّة وینجو بفعلته ، ثم تعود لترتطِم بنفس الجِّدار مُلتصِقاً بثقوبٍ مُضیئة تشِعُّ أملاً بِما وراء الجِّدار بألوان زاھیة لنقنِع ذواتنا أنَّنا یوماً ما سنتجاوز ھذا الجِّدار وإنَّنا یوماً ما سنحطِّم ذاك الجِّدار لنخطو نحو الضَّوء الذي نستحِقُّ أو لأنَّنا نعتقِد أنَّنا نستحِقُّ ما خلف الجِّدار .
یمرُّ الوقت ونحن ما زِلنا مُلتصقین بفتحاته وتشقُّقاته لننسى الغایة مِن وقوفنا مُتسمِّرین بانتظار اللحظة المُناسِبة والرغبة المُناسِبة وكلّنا إیمانناً أنَّ الجِّدار ھو الأمل مُتناسین ما خلفه مُكتفین بِشُعاع مُتسرِّبٍ من التَّشقُّقات،
ماذا سیحدث عندما ندرك أنَّه ما مِن جدار ! وإنَّ خللاً كیمیائیاً خلق تلك الكومة من الأحجار في ذواتنا وربَّما خللاً تربویَّاً أو ھرمونیاً أو حتىّ خللاً ثقافیاً أو خللاً في الطبیعة الخلویِّة المُنقسِمة .
الحقُّ الحقُّ لقد أصابني الملل من كتابة أحرف ستترك أثراً افتراضیاً على جدار أحدھم دون أنْ یعي أنَّ الجِّدار ھو ذاته المُنقسِمة علیه .
تبَّاً لنا لأنَّنا جیل یُؤمِن مِن خِلال الاحرف وعندما تُسقِطنا ریاح الایَّام تتساقط أطرافنا فنتأملها مُتسمِّرین بانسِطالٍ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *