وأنا اتابع فوضى التحليل السياسي بشأن مصير مجلس النواب المنتخب تواً ، والمنعقد بجلسات متباعدة متعثرة ، تحث بعض الكتل النيابية عليها ، وتقاطعها أخرى ، وتتاجر بها ثالثة ، فالحضور والمقاطعة لمن يدفع الأكثر . استذكرت الراحلة الحاجة فريحة ، وهي عجوز طبع الزمن آثاره على عليها ، عاشت أيام الحرب العالمية الأولى وهي باللفة
وعايشت أحداث الحرب العالمية الثانية وهي شابة مدركة ، عاشت أيام العهد الملكي وكثيراً ما كنت تستذكر التظاهرات التي تجوب الشوارع والشعارات المرفوعة فيها ، وعايشت ظلم وتقييدات وترهيب النظم الانقلابية ، حتى ادركت الحرب العراقية الإيرانية وقد أصبحت برتبة خبير استراتيجي أقدم ، وفي احد أيام الحرب العجاف واذا بالحاجة فريحة تخرج مسرعة الى السوق حاملة ما ادخرت لايام الحاجة ، لتشتري ومن محلات قصابة متعددة الشحم وتخبأه تحت عبائتها التي احمرت من القدم والاستخدام ووهج الشمس ، وبعد تأمين كميات الشحم اللازمة لرحلة الشتاء والصيف وامتلئ برادها المتهالك ، راحت الحاجة تتصل بالأقرب فالأقرب من الأرحام والأصدقاء والاحبة وبسرية كاملة ، وكل على انفراد ، لتسرب لهم سر اقتصادي يتعلق بأمن الشحم وتكهنها بارتفاع أسعاره بعد استهداف حمولتين بحريتين لصالح العراق من قبل الطيران الإيراني ، فراح شراء الحاجة للشحم يُضرب مثلاً ، بعد أن أصبح حديث المجالس ومزحة من أراد الترويح عن النفس ، إذ تبين لاحقاً أن الحاجة فريحة وهي تضع الراديو على أذانها التي لا تلتقط الكلمات الا بعد صياح وصوت مرتفع وتكرار وترديد ، فهمت أستهداف الشحم في وسط البحر والصحيح استهداف شحنات أسلحة في وسط البحر ، رحمك الله يا حاجة وجعل مثواك الجنة . وأنا أتتبع التحليلات من على بعض القنوات الفضائية وما تستقطب من محللين لا يفقه بعضهم أي ساقيه أطول ، عادت بي الذاكرة الى خبر الشحم ، إذ راح البعض يفتي قاطعاً غير محتاط بصلاحية مجلس القضاء الأعلى بحل مجلس النواب ، وذهب أخر الى أن المجلس يعد منحل حكماً يوم 5/ 4 / 2022 ، وعدّ ثالث المجلس منتهي الصلاحية بعدم تحقق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مرتين ، وصرح رابع أن المحكمة الاتحادية العليا ستُفتي قريباً بحل المجلس ، بل ذهب احدهم الى أن المحكمة أفتت بالحل والقرار يجول في اروقة الطباعة . وبالقطع أن ما نعيشه من فوضى تحليلي وتلوث معرفي ، هو جزء من الفوضى التي تعصف بطول البلاد وعرضها ، فالفضائيات الخاصة في تزايد ، ومراكز الأبحاث الوهمية في تنامي ، ومحللي الصدفة في تكاثر ، وحاملي لقب دكتوراه دكانية في انشطار سرطاني ، والمتلقي تائه ضائع مشتت لا يعرف في أي حبة البركة.
حياة متعففة
وفي أي تحليل الضالة ، وفي أي معلومة الصحة ، والصحيح أن الحبة متعفنة ، والتحليل شاط ، والمعلومة خاطئة ، ويحدثونك عن صناعة الرأي ، والمشاركة الشعبية ، وتصحيح المسار ، واللافت أن الإعلام في العراق راح يبحث عن رخيص المعلومة والأجر والمبدأ ، ففيه تحقيقي الضالة وبلوغ الهدف ونيل المراد ، فمذ رحل النظام السابق وأزلامه والإقليم والمتضرر من نهب الخيرات ، راح يحيك المؤمرات ، ويختلق الأزمات ويدبر ، ما يضعف ويُفشل القادم الجديد ورجالاته ، فاستحدث الفضائيات واستقطاب الفاشلين وإعلاء صوت المناصبين العداء ، وفي مقدمتهم المحلل الذي يتحدث ولا يفكر ، ويهاجم ولا يفقه ، وينسب ولا يعلم ، فيه الضالة والضلالة ، إذ سيكون الوطن ضحية ، والمعلومة خاطئة ، وأخباره سيئة ، وغسيله مشرور ، والجاهل يذهب مغرداً مصعداً عازفاً ، على نغمة مقدم مأجور وفضائية هدامة ، والمقابل ظهور إعلامي وصفحة تواصل اجتماعي ورسالة واتساب تحدد الفضائية ووقت الظهور . على من حمل أمانة الوطن وتصدى للمسؤولية وتولى امر القطاع ، أن يكون أكثر شجاعة في قراراته ، واشد حرصاً على أداء مهامه ومسؤولياته ، فيتصدى لما أنفلت ، ويلاحق من ضلل ، ويعاقب من استهدف ، فسمعة العراق أضحت على المحك ، ومصيره راح يتحكم به الفاسد والمأجور ومن شح عليه الجاه والأصل ، والأداة حفنة من الجهلة الفاشلين ، الذي راح بعضهم يتنقل بين المدسوس من الفضائيات سعياً وراح دولار أو مجرد ظهور إعلامي ، واللافت أن بعض من تصدى لمسؤولية إدارة القطاع ، راح يُشجع ويدعم ويُقرب الفاشل ، سعياً وراء إنجاز المهمة وتحقيق الهدف ، فالقطاع بحاجة لثورة وطنية تصحيحية ، يكون شعارها الوطن أولاً وسمعته لا مقدم عليها ، يقوده المحترف ، ويتصدى لتحليلاته السياسية العالِم العارف والمتخصص ، فالإعلام سلاح ذو حدين ، مصحح أو قاتل ، فقد وهنت اوطان وأهدرت سمعات وضاعت فرص ، بفعل إعلام استهدف ، ونهضت غيرها وشيدت بلدان وقفزت متراجعات نتيجة إعلام وطني هادف ، والعراق مليء بالكفاءات والخبراء والعارفين ، ويقيناً أن ما فات ليس قليل ، وما ضاع ليس هيّن ، لكن الوقوف عند الماضي ، والنحيب على ما ضاع ، والاكتفاء باستذكار ما حدث ، لن يعوض ضائعات ولن يشيد مدنيات ولن يبني اوطان ، فالعبرة كلها بتشخيص الانحرافات وتصويب الاخطاء وتصحيح المسارات ، وعلى ضلالة من ظن أن العراق مات ، فغيره راحل وهو باق .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *