منذ أن دخلت السياسة “الحزبية” العراق، والصحف “المسيسة” تطبع أطنان من الورق كل عام وتضخّه إلى القارئ على أنه أدب.
في أحد أعداد مجلة “إمضاء”، وهو التاسع حسبما أذكر،  اقترحت على الأصدقاء في هيئة التحرير أن لا تقوم المجلة بتصحيح أخطاء المؤلفين، ذلك أن الأغلاط الاملائية والنحوية جزء من عمل الكاتب، فلماذا نتستر نحن على هفوات غيرنا؟ وذكرت لهم حجتي في ذلك وهي أن شعبة التصحيح اللغوي لم تكن معروفة قبل أن يأتي بها الحزب الذي يقوم بإصدار الجريدة، أيّ خطأ سوف يذهب معناه إلى ما يشين القائمين عليه. لم يتفق معي أغلب الأصدقاء، وصارت جبهتي تضمّ معي الدكتور الناقد حسن سرحان، اثنان مقابل خمسة، ولم نعمل على هذا الأساس بالمقترح.
في بداية عهد الصحافة في العراق كان الأدباء هم الذين يصدرون الصحف، والصفحات الثقافية هي التي شهدت بواكير النهضة في الشعر والقصة وعلم الاجتماع والفن التشكيلي والهندسة المعمارية…
ما الذي جنيناه من ستين عام من الشعر الموجّه والقصة التعبوية والخط المشوه في ما يدعونه “البوستر السياسي”؟
لم تأتنا جرائد الحزب ودوريات الحزب وندوات الحزب وولائم الحزب ورشاوي الحزب بشاعر واحد، أو كاتب أو منشد… هي ثقافة تعمل بالضدّ من الثقافة، من أجل أن يسود الجميع العماء، فلا يبصر أحد ولا يرى.
دور القائم
بعد 2003 تخلصنا من الحزب الحاكم، ليأتينا هذه المرة أكثر من حزب محكوم ويريد أن يقلّد دور القائم بالأمر.
نتابع ما تبثه ماكنات الطباعة الحديثة كل يوم من لطخ سود لا يساوي سعرها في سوق الإبداع أجر العامل الذي يقوم بنقلها مرزومة إلى المكتبات، وهذه بدورها تقوم بشحنها مباشرة إلى الاقبية كبضاعة لا يطلبها أحد، ومن الأحسن أن لا ترى النور.
إن غواية الأدب تشمل الجميع، من رئيس البلاد إلى أفقر عامل، لكن الإصرار على إزعاج الآخرين بالكلام المشوه في كل حقل من الأدب يعدّ إفساداً للذوق وأحد مسببات تلويث البيئة، بالإضافة إلى المال المهدور في سبيل تحقيق ذلك.
سنة بعد سنة والصحف الجادة تبتعد عن الأدب، والسبب في ذلك هو أن الثقافة الرديئة تطرد الثقافة الجادة.
المطابع الأهلية ودور النشر التي صارت تتفرع وتنتشر لا تضرّ أحدا، ذلك لأنها لا تأخذ المال من جيب أحد. المقصود بهذا الكلام صحف ومجلات ونشرات وبرامج الإذاعة والتلفزيون التي نصرف عليها الملايين كل يوم، بل كل ساعة، بينما إنساننا لا يجد اللقمة والمأوى والدواء.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *