يقولون أنك حيّ الآن في مكان ما تمارس هواياتك المفضلة في الوجود وتشرب ما يحلو لك من أفكار مجنونة، لكني لا أستطيع تصديق ذلك، لا أستطيع القبول بمثل هكذا أمر، هل حقًا سأكبر وحيدًا مقطوعًا منفردًا في التفاهة التي تعودنا أن نحارب بها هذا الوجود المرّ، أينك مني؟! يا صديقي المجنون..
أشعر بالاختناق كلما مشيت وحدي، فقدت الوحيد الذي يشاركني بلاهتي وغرابتي، ذلك الذي يرقص معي في كل مكان وزمان، لم تعد لحركات يداي وقدماي أي منفعة، اصطبغت بالسخام بعدك، ولم تعد أغانيك التي دللتني عليها ذات نفع، لقد أصبح كل شيء أسود بعدك، وكما تقول أغنيتك المفضلة: “لقد احترق هذا العالم، عالمي، ولا أحد يستطيع انقاذي سواك”
“غريب كيف تدفع بنا الرغبة لفعل أشياء أشد غرابة” كالموت مثلاً..
في كل منام تأتيني بجملة تسعفني، تخبرني أنك لم تذهب، أنك لا زلت حولي ومعي، لكني حزين، حزين يا رفيقي، بحزن أيامك الأخيرة، إلا أني لست نادم، فأنا أشعر بالغبطة أحيانًا أني ساعدت بتخليصك من هذه الأرض، من هذا القيح، ومن العراق خصوصًا.
آه يا منهل إن العالم متعب، وقد وصل أقصى مراحل الإنهاك، أخرج كل يوم لتأدية عملي لا أعرف ما الفائدة التي ترجى منها، وفي الطريق أراقب وجوه الناس، وأرواحهم، وأرى ابناء بلدنا المغتربين هؤلاء العراقيين الذين حكم عليهم أن يعذبوا أبدًا، إن وجوهم كالحة، ميتة، وإن كانت تدل على شيء فهو اليأس والقنوط الذي استشرى بينهم بشدة في آخر الأعوام، لم يعد هناك سببًا يدفعهم للعيش، إنهم أحياء لأنهم لا يستطيعون الموت، وأنا كائن مفرط الحساسية، لذا فلم أعد أستطيع النظر في وجوههم، لا أطيق أن أرى أملًا ذبح بألم بعد الآن، والآن أحاول أن أنام قدر المستطاع لألا أخرج وأراهم، وأتنفس هذا الهواء الثقيل على الرئتين.
قديما قالوا: “إن العراق يطفو على بحر من السواد” واعتقدوا أن السواد هذا هو النفط، لكني تيقنت مؤخرًا يا حبيبي أن هذا السواد ما هو إلا بحر من اليأس، لو ارتشف العالم منه شرفة لمات قنوطًا، لكنهم يستمرون بالعيش، وأنا مثلهم، لا أعرف لما، لكني أكمل يوما بعد يوم، محاولا السير في طريقك، كي ألحق بك بوقت قريب، لكنك تعرف حظي الأغبر، لذا فلقاءنا يتأجل كل يوم..
كم أتمنى أن أراك الآن، أن أجلس معك، أن أهرب إليك، لكني لا أقوى حتى على سماع صوتك، فذكرياتك وكلماتك أعيتني، لقد انهار أخاك يا منهل، ذلك الذي حملك وأنت حي ولا زال يحملك وأنت ميت، لقد قطفته مثل زهرة في الطريق ذبلت بعد يوم قطافها، لقد حرق عالمه الرمادي وأصبح كل شيء حوله أسود، بلا جدوى بلا غاية أو وسيلة، وإلى الآن ينتظر رفيقه
أرقد بسلام و زرني دائماً في الحلم .
أرقد بسلام و زرني دائماً في الحلم .
قديما قالوا: “إن العراق يطفو على بحر من السواد” واعتقدوا أن السواد هذا هو النفط، لكني تيقنت مؤخرًا يا حبيبي أن هذا السواد ما هو إلا بحر من اليأس، لو ارتشف العالم منه شرفة لمات قنوطًا، لكنهم يستمرون بالعيش، وأنا مثلهم، لا أعرف لما، لكني أكمل يوما بعد يوم، محاولا السير في طريقك، كي ألحق بك بوقت قريب، لكنك تعرف حظي الأغبر، لذا فلقاءنا يتأجل كل يوم..