كتبَ | نصير جبرين

 

الحكومات والأنظمة العربية الفاسدة ليس من مصلحتها أن تقطع أيادي اللصوص؛

لأنها لو قطعتها فمن سيصفّق لها ؟

عندما وازن “بريشت” بين القانون والعدل واللصوصية

اعتبر أن القانون هو التسمية المؤدبة للسرقة والقهر، وأن المجتمع يطارد اللصوص الصغار ليحمي لصوصه الكبار.

وذلك صحيح إلى حد كبير.

مثلاً، سيهرع شارع بأكمله لمطارة لص سرق حذاء من المسجد، وسيمسكوا به ويشبعوه ضربًا ينسيه اسمه ومقاس الحذاء الذي يلبسه .

لكن الشارع نفسه سيقف متفرجًا امام أولئك الذين يسرقون روحانية المسجد بأكمله ويحولوه من بيت للعبادة إلى بيت لتعبئة الأفكار المشحونة بالحقد والكراهية ومكان لنسف قيم الحب والخير والتعايش في ديننا الإسلامي الحنيف..

ليس هذا فحسب

بل إنك ستجد الشارع اللي طارد سارق الحذاء يقف بإجلال وتعظيم لسرّاق الجوامع، وسيمنحهم ألقاب التبجيل، وسيضرب لهم تعظيم سلام مربع، ويسميهم مشايخ!!..

 

قبل فترة دخل منطقتنا بمنتصف الليل لص وقلبها رأسًا على عقب، واستيقظ جميع الأهالي من نومهم هلعين من صراخ صاحب البيت الذي تسلل إليه اللص وراح يصيح بكل صوته:

– امسكوا السارق

وبدأت من تلك اللحظة المطاردة بعد اللص من زقاق إلى زقاق ومن سقف إلى آخر .

كلهم خرجوا من بيوتهم متشنجين يدوروه ويصيحوا :

اين ذهب أين اختفى ؟ واستمرت ملاحقة السارق والبحث عنه لمدة ساعتين من دون أي جدوى، لقد كان لصًّا خفيفًا شبيه الريح، لو أن لدينا وزارة شباب ورياضة وتعتني بالمواهب لكان ذلك اللص الخفيف أحد لاعبي القوى المعتبَرين في العالم، لكن اللصوصية نفسها هي التي دمرت كل موهبة في البلد على أي حال..

 

وعاد الجميع إلى بيوتهم قبل أذان الفجر بخفي حنين فيما كان اللص الخفيف قد اختفى تمامًا مثل فص ملح ذاب..

 

وفي اليوم الثاني مباشرة استيقظ أهالي الحارة من نومهم على ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية التي تدخل إلى كل بيت، ولكن من دون أن يفكر أحدهم يخرج يدور السارق الخفي الذي امتدت يده إلى لقمة عيشهم..!!

 

والآن عمومًا يمكنني أن أطمئنكم، وأقول :

الحمد لله؛ لأن اللصوص الصغار أقلعوا تمامًا عن مغامرة الدخول إلى منطقتنا من بعد تلك المطاردة الليلية وراء لص خفيف طار مع الريح..

لكن الكارثة الحقيقية والمستمرة في عصد حياتنا بشكل يومي هي أن اللصوص الكبار ما يزالون يتسللون إلينا طيلة الوقت عبر السلع والمواد الأساسية التي تدخل إلى بيوتنا كل يوم بأسعار مضاعفة ولايوجد من يخرج ليصيح : امسكوا السارق ……..

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *