كتبَ | سعد عودة

 

يصفُ اكثر الباحثين والنقاد الِشعر بأنهُ كائنٌ لغويٌّ بصفة اساسية متناسين البعد المعرفي والذي يختفي وراء دلالات وانزيحات النص الشعري ,وما أقصدهُ بالبعد المعرفي هو قدرة الشاعر على ايجاد رؤى ممكنة ضمن نطاق الزمن الكلي وهنا فالشعر نبوءة لا يمكن تأكيدها ولايمكن محوها, وبالرغم ان اللغة هي الدورق التي تنصهر داخلهُ كل هذه الخيالات المعرفية لكنها ليست العامل الاول الذي يشكل هذا البعد وإنما هي فقط حفلة التوقيع الاخيرة الذي يسحب الانتاج المعرفي من شكله البوهيمي ويحولهُ الى شكلٍ قابل للقراءة والتحليل, هنا علينا ان نتعامل مع الصورة الشعرية على اساس انها معرفة محتملة ممكن ان تتحول الى واقع ملموس في وقت ما ولانكتفي بتوصيفها بالشكل اللغوي القادر على الادهاش, ان المحتمل المعرفي و الممكن هو الذي يولد هذه الدهشة  لكن دون ان نستوعب هذا البعد  ونحن ضمن هذا الواقع, من هنا يمكننا ان نجد تعاريف اخرى للموجودات وطرق اخرى في عملية ارتباطها وتفاعلها, فقط لأن الشعر لا يعتمد التجريب العلمي وإنما يعتمد على الخيال في تكوين هذه العلاقات, ان قولنا على سبيل المثال (الظلام المضيء) يخرج من التعريف العلمي للظلام على انه منع وصول الضوء الى منطقة معينة ويحولهُ الى كائن مفرد يمكن ان يكون هو مصدر اضاءة, هذا يعني ان للظلام وحدات معينة قد تماثل او تختلف عن الفوتونات التي هي الوحدة الاساسية للضوء …

 

هنا يقدم لنا الشاعر عرضا علميا ممكنا ضمن نطاق الزمن الكلي ولايكتفي بكونه وصفا لغويا فقط والحقيقة هذا الامكان في الحدوث هو من يولد الدهشة عند المتلقي, فالمتلقي سيصدق ما يقوله الشاعر دائما..

 

هنا سأعطي مثالا اخرا على هذا البعد, من قول أبي صخر الهذلي

 

عجبتُ لسعي الدهرِ بيني وبينها……فلما انقضى ما بيننا سكنَ الدهرُ

 

والسؤال المعرفي هو هل من الممكن ان يكون الدهر (الزمن) كائنا واعيا قادرا على تفريق الاحباب, وإذا ما عرفنا ان الزمن هذه الكمية الفيزيائية التي ترتبط بعلاقات مهمة وتؤثر بشكل مباشر على الواقع يمكن ان نتخيل النبوءة العلمية لهذا البيت, ان تصديقنا  ان الدهر كائن واعي هو من يولد الدهشة لأن الاحتمالية قائمة ضمن منطق الزمن الكلي للوجود.

 

والسؤال هنا هل يمكننا توصيف المعرفة العلمية بالخيال الشعري, ان ما أنتجتهُ المعرفة العلمية بعد نسبية اينشتاين تجاوز حدود هذا الخيال وأصبحت الصورة الشعرية خجِلة امام الصور المعرفية التي عبرت عن ضآلة هذا الانسان تجاه الكون وان ما أنتجهُ الخيال البشري يقع في احايين كثيرة ضمن اطار النبوءة العلمية فهل يمكننا مثلا تأويل بيت المتنبي على فرضيات اينشتاين

 

اريد من زمني ذا ان يبلغني …ما ليس يبلغهُ من نفسهِ الزمن

 

هل اراد المتنبي هنا التحرك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء على اعتبار ان كل القوانين التي تحرك المتنبي ضمن حدود الواقع ستتغير اذا ما تجاوز هذا الشاعر سرعة الضوء, أليس هذا البيت نبوءة علمية تحققت, هنا لا أعني معرفة المتنبي بهذه المعرفية ولكن الشعر نفسه هو كائن محتمل جدا لحظة الكتابة فالشاعر يكتب ما يتوقع لا ما يعرف, بل ان مهمة الشاعر تجاوز معرفته ضمن لحظته الآنية الى ما هو قادم .

 

الشعر دائما معرفة محتملة ..كل ما تحتاجه هو شاعر بلباس نبي, طبعا لا نتوقع ان نعثر على الكثير من الانبياء هنا لكننا ايضا لا يجب علينا تجاهلهم  او رميهم بحجر مثلما يحدث في العادة.

 

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *