يشتق الليل ظله من جدار المقبرة،
حتى أنه يلطخ بعض ذكرياته عليه، عنوانه مثلا، مقاس حذائه، لون سرواله الداخلي، عطره الرخيص مثلا.
يتثاءب حتى يتوقف عن النعاس، الحُلم الذي يتكرر في صحو ذاكرته لم يزل يرنو البعيد حتى يتلاشى.
قارب النجاة الوحيد في سفينة نوح كان مثقوبا،
أين الفرار إذن، أن صح الغرق؟
دونما أي خوف يأتي من بوح السؤال في عيون المتعبين، السكارى، المؤمنين فقط برجوع المنقذ بعد الذنب، حتى يتوب القاتل حين يشعر بالأمان،
هذا الليل، يبحث عن ليلٍ يشبه وحدته، يتكرر مثله في الجمادات الأخرى،
إشارات المرور مثلا، عيون المتسولة، صوت الغريب في صدى التهجير.
كل هذا الدوران في صمتٍ عتيق.
الليل: المسافة الحبلى بالتوقيت الذي يبحث عن وقته، الموعد الذي ضاع في زحام المواعيد التي أتعبها النسيان.
عن أي شيء تتحدث، ذلك الواقف في آخر الكون يتذكر أنه جاء بعد أفول الطرقات، وخوف الضوء من نافذة الوجع المطلق.
في مسرح الخلق الأول، حين جاء الرب يحصي جراح العائدين من الحرب بعد موت كل الرسائل،
والجنود الحفاة أيضا،
تذكر أنه الرب الذي أتعبه الموت في عيون الموتى الراغبين بالموت أيضا.
كل هذا الليل لم يزل يبحث عن موتٍ يشبه موته بعد رحيل القبور،
الجثث في عَرَاء أبدي.
هذا الموت، يبحث عن ليلٍ آخر يدفن نفسه فيه.