تخيّل أنّكَ تأخذ حمّام المساء, بعد يوم طويل, بعد يوم مليء بالغضب, بالهزيمة, تحاول أن تجعل الصابون يرقص على جسدكَ, تتذكر أنّه قد صُنِع ليزيل رائحة التعب, ليُزيل مشاعركَ السيئة, تلكَ التي فقدتّها منذ مدة, منذ أن فقدتَ الإحساس بهذا العالم, بعد أن وضع نبيّكَ كلّ جبال الصمت في طريقه نحوكَ, بعد أن غرّد بصمت وهو يخبركَ بأنّكَ غير مناسب بسبب عملكَ المفعم بالتعب, تتذكر بأنّ الصابون قد نسيّ كيفية الرقص, قد نسيّ نغمات جسدكَ, قد نسيّ كيف يُداعب رقبتكَ التي كانت تنحني على جهاز الكمبيوتر لساعات متواصلة, التي كانت تنكسر تدريجياً مع كلّ ضربة لسيف نبيّكَ.
تحاول أن تحاور الماء, تحاول أن تخبره عن يومكَ الذي كان بلا معنى, يسقط الماء على رأسكَ الساخن, على رأسكَ الذي لو تركته لساعة أُخرى لأصبح آلة لصُنع فشار الأفكار المالحة, حتى يتناوله ذاك الذي يشاهد فلمه المفضّل, حياتكَ.
تحاول بضع قطرات أن تهرب من جسدكَ, تحاول أن تهرب من لحظة مزجها مع شعر جسدكَ الذي بدأ يسقط, الذي بدأ يفقد إهتمامه بالنمو عليكَ, كأنّه فقد شهيته منذ آخر طعام تناوله من أصابع نبيّكَ.
تحاول قدمكَ أن تحملكَ لكنّها تبدأ برجفة بطيئة, كأنّها قد وصلت ذروتها, كأنّها قد وصلت نشوتها الأخيرة تحت قبة الهزيمة تلكَ.
تنهي حمّامكَ الذي لم يكن كالمعتاد, تحاول أن تضع المنشفة على جسدكَ فيلفظها بعيداً, تسقط من يديكَ لتُخبركَ بأنّها لن تعود لمضاجعتكَ, كأنّها تخبركَ بأنّكَ أصبحت متهالكاً لتحتضنكَ, تتركها لوحدها ثم تتوجه لإرتداء ملابسكَ, قطعة واحدة ثم تشعر بأنّكَ قد إختنقت لترميها أيضاً قرب المنشفة, ترمي كلّ ما يُشعركَ بالضيق و الأمل الزائف.
تخرج عارياً نحو غرفتكَ التي أصبحت بعيدة فجأة, حتى لحيتكَ تستحي أن تنظر لجسدكَ, تمشي قرب حافة الدرج, تشعر بأنّ جسدكَ يحاول أن يرمي نفسه منه!, يبدو أنّه يستحي أن يخبركَ بميوله الإنتحاريّة, حاول محاورته قليلاً في خلوتكَ.
تصل إلى غرفتكَ, تجمع جسدكَ مع فراشكَ ذي ثقوب السجائر, كانت سجائركَ تشعر بحاجة الفراش لقليل من فتحات التهويّة فبدأت تسقط من يديكَ و أنت تغفو معها, تحرق أصابعكَ لتهرب منها, و تذهب لإنقاذ الفراش منكَ, لأول مرّة تجتمعون معاً في صحوة واحدة, لأول مرّة لم تكونوا جميعاً ثمالى, تبتسمون معاً, كلّكم عراة, كلّكم تمتلكون ثقباً في أعز ما تملكونه, في قلوبكم.
ثم تأتي تلك اللحظة التي يعمّ البرد في أجواء الغرفة, تموت أنتَ محتضناً سيجارتكَ البيضاء ككفن ليديكَ, و فراشكَ قبركَ, تموتون معاً ثم يعمّ الصمت, صمت أبدي يا عزيزي, صمت بعد جوع للراحة, يبدو أنّها قد إستمعت لدعائكَ أخيراً!.