في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك فتح القائد محمد بن القاسم الثقفي بلاد الهند ولم يكن سنه يتجاوز الثامنة عشرة ، فلما آلت الخلافة لسليمان أودعه السجن ثم ليقضي نحبه فيه فأنشد قائلا : أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
نهاية محزنة مؤلمة لقائد شجاع ، اقترف فيها الخطأ خليفة لدولة مترامية الأطراف لأسباب لا تستحق هذه النهاية .. انها أسباب شخصية بدت فيها الأثرة هي الدافع للأنتقام،
وليته اكتفى بهذا فحسب فقد أعدم حياة قائد آخر لا يقل شجاعة عنه ألا وهو قتيبة بن مسلم الباهلي الذي توجه بفتوحاته شرقا ليصل حدود الصين ، وحينما سمعت العجم بمقتله قالت :معشر العرب قتلتم قتيبة ولو كان منا لفتحنا بتابوته الأمم .
وكذا فعل الخليفة سليمان بكل من طارق بن زياد وموسى بن نصير وهما من فتحا الأندلس ، عزلهما عن القيادة والولاية وأذلهما .
هذه هي المكافأة للقيادات النادرة من لدن حكام لا يعرفون قدرها .. وهي بحد ذاتها مأساة قادت الأمة الى كوارث لا تعد ولا تحصى .
حينما يفتقد الحاكم الرؤية ليرى بعينين شبه مغمضتين كل ما حوله فيطيح بالكفاءات ويبعدها عن أداء مهامها بل وينتقم منها حسدا وريبة وخوفا ثم ليدني منه من هم لا يصلحون لتدبير شؤون الدولة بل انهم في حقيقة الأمر منافقون ومخادعون ولصوص .
الأحرى بالحاكم أن يختار الرجال الأقوياء الأمناء في أي موقع من مواقع الدولة ، وأن تكون حاشيته منتقاة حتى تنصح له النصيحة التي يرجى منها الخير للرعية ، ذلك أنه من الأخطاء القاتلة أن ينقاد الحاكم لهواه فيستبد برأيه ويتحول الى طاغية ظالم يسفك الدماء بلا رحمة ، ومن حوله الحاشية التي تصفق له في كل ما يفعله .
لقد كان الخلفاء الراشدون يختارون أحسن الرجال دينا وأمانة وشجاعة في تولي أمور المسلمين سواء كانت ولاية أو قيادة أو قضاء ، واذا ما وجدوا فيهم عيبا عزلوهم بعد حساب عسير .
تلك هي أمانة الحاكم وعدله وانصافه ، فكل قرار يتخذه يصب في منفعة الرعية دون اعتبار لمصالحه الشخصية .
ان انهيار الدولة يأتي من فساد الحاكم وسوء اختياره للرجال الذين يحيطون به ، بينما يتوقف نهوض الدولة على صلاح الحاكم وحسن اختياره للرجال الذين يحيطون به .
فهل نستوعب مثل هذا الدرس في وطننا حتى لا يضيع الرجال الذين يمكن أن نبني بهم ما تهدم من رموز حضارية ؟ وهل لنا القدرة لأستيعاب تلك الكفاءات التي هجرت أرض الوطن بعد أن فقدت الرعاية لحمايتها والأخذ بيدها ؟