وأقصد بهم أصحاب البدلات الأنيقة وأربطة العنق البراقة ، فقد يكون من بين القراء من اخواننا العرب ولا يعرف معنى كلمة ( قاط ) التي يراد بها ( البدلة ) باللهجة العراقية ، وأهل القوط يعرفون من أين تؤكل الكتف ، فلهم من المهارات الفائقة ما يستطيعون بها استمالة المسؤولين ، فاطراقات الرأس وحركة الأيدي والايماءات والعبارات الملونة تشبع غرور المسؤولين حتى وان كان بعضهم يعرف انهم منافقون ، ولا يمتون بصلة للفعالية الموجودين فيها .
هؤلاء يوحون للمسؤول بان الفعالية التي تقوم بها المؤسسة هي من صنع أيديهم ، وابداعات أفكارهم ، وحصيلة جهدهم ، والنجاح المتحقق فيها ما كان له أن يحدث لولاهم ، ويدعمون كلامهم بالأرقام لأنهم سبق وان سألوا وبالخفاء تجسسوا ، بينما الحقيقة انهم لا يحضرون في أي من مراحل اعداد الفعالية الا في الوقت الذي يكون فيه المسؤول الأعلى موجودا ، فيجّير نجاح الفعالية لهم ، في حين لا يدري أحد بالذي بذل الجهد الحقيقي تفكيرا واعدادا وتنظيما بالرغم من النهارات والليالي الطويلة التي قضاها من أجل أن تظهر مؤسسته بصورة جميلة أمام أنظار الجمهور ، وان تتحقق الأهداف التي من أجلها عُقدت الفعالية ، لكن الخجل او الزهد او الشعور بالعيب يدفعه الى عدم الترويج لنفسه ، او التباهي بأنها من صنع يديه وبعض من زملائه الحريصين على العمل والمؤسسة بوصفهما بابا للرزق ، يكسب منها قوت عياله .
هذا ما يجري في الكثير من مؤسساتنا ، ولا أستثني منها واحدة ، فيخيم الاحباط على المبدعين بما يؤدي الى امتناعهم لاحقا من القيام بمثلها ، وفي حالة الاجبار يمتثلون لكونهم موظفين ، لكنهم يقدمون من الأداء أقله ، ومن الجودة أضعفها ، وقد ينهجون نهج أهل القوط ، فيهيئون لكل مناسبة ( قاطا ورباطا براقا ) ، وحال أنفسهم يقول انها (خربانة ) ، ما لنا نحرق أعصابنا .
تذكرني هذه الظاهرة بحكاية الزوجة الأولى وضرتها ، او الزوجة الكبيرة والصغيرة كما يسميان في بلادنا ، اذ كان من عادة أهل القرى ان يكون التنور الذي يصنع فيه الخبز خارج البيت ، وفي كثير من الأحيان على طريق المارة ، فالزوجة الاولى حريصة على سمعة زوجها وعائلتها ، لذلك تقوم بجميع أعمال صناعة الخبز داخل المنزل بأدوات العمل البدائية من غربلة الحنطة او الشعير وطحنهما والعجن وغيرها ، بينما تقوم الزوجة الصغيرة بالخبز في التنور فقط ، وتوزع بعضه على المارة بأساليب ترغيبية جذابة للإيحاء بالكرم والمحبة ، فحصدت سمعة طيبة بين الناس ، بينما لا يعرف أحد بالزوجة الكبيرة التي تتحمل جُل العناء .
القلة من المسؤولين النابهين يعرفون ذلك ، ويقدرون ما يقوم به المبدعون من خلف الكواليس ، ويعطون الحق لأهله ، لكن الكثرة منهم يقعون ضحايا أصحاب القوط ، ومنهم من يستهويهم هؤلاء كثيرا ، يسعدون ان فتح أحدهم باب سيارتهم ، وان يمشي ورائهم حشد من أهل القوط ، يشعرون بالزهو ، ويشبعون قلة جاههم ، والتخلص من عقد يعانوها ، وأهل القوط جاهزون لأداء هذه المهام حتى من دون أن يكلفوا بها ، لا يستحون من اذلال أنفسهم ، ولا يهمهم للفوز بحظوة المسؤول الأعلى ان كان ذلك على حساب أصحاب العمل الحقيقيين.
بالتأكيد العيب ليس في أهل القوط ، بل بالمسؤولين الذين ليس لديهم القدرة على التمييز بين الذين يعملون والذي يصادرون جهد الآخرين بطرق ملتوية ، فالتمييز بين الزملاء ، والاعتراف بالجهد يحتاجه المخلصون لمزيد من الأداء المبدع ، فبدون ذلك نخسر المنتمين للمؤسسة ، والجادين في أداء المهام ، بل قل نضحي بالذين يتملكهم الشعور بالانتماء للوطن ، لأن انتماء أهل القوط لرأس الشهر وليس للوطن ، أي للراتب الشهري الذي ان توقف لن تجدهم أبدا ، بينما الأوطان لا تبنى بغير المنتمين ، والبناة صامتون ، ودائما ما يمنعهم الحياء من القول : ( نعمل من أجل الوطن).
[email protected]