في كردستان، نحن المساكين؟
بثقافتنا التي يريد لها “الملا صاحب” رئيس شرطة الثقافة، سيد المهرجانات الباذخة، أنْ تتطور خارج سياقها الكوزموبوليتاني؟ ويريد الخبير الثقافي، ذو الأنف النازيِّ المعقوف، رئيس عرفاء وحدة المهرجين، حامل حقيبة الملا صاحب، أنْ يبعدها عن المنتج الأصلي الذي تمثله الثقافة الكردية وما يصنع هويتها وتجانسها الكوني؟ رئيس العرفاء هذا، إذا أرادَ مدحَ مثقفٍّ يقول بملءِ فمهِ:
– صديقي المثقف الكبير، صاحب الأربعين كتاباً، منذ سبع سنوات يتوسل، وما دعوته للمهرجان!
بماذا نفخر نحن المساكين في كردستان؟
بآبار النفط؟ بقـــ (ص/ ب) ور المسؤولين؟ بماذا نفخر؟ لا عندنا برج إيفل، ولا سكة قطار. لا عندنا جائزة نوبل ولا سوقٌ للكتاب. لا عندنا زراعة ولا صناعة. لا عندنا تجارة ولا اقتصاد.
الشعراء يتكاثرون، والقراء يتناقصون. الأدباء يتزايدون وكتبهم تتراكم، كلهم يمشي رويد، كلهم يطلب منصة ومهرجان. كلهم يناغي السلطة. وصارَ الشِّعرُ فعلَ أمر. وصار الشعر تقرير أخبار، وعِلل وبراهين، إلا الشاعر الشاعر، مؤيد طيب. مَفخرة كردستان. معتزلاً في صومعته بين الكتب. بقدر العزلة تُكتسَبُ المَعاني.ستظلُّ دهوك جميلة، كما كانت من قبل، مُحاطة بالجبال، حتى لو نَفَدَ النَّفط، وإنْ ظلت بلا مطار بلا قطار، بلا دور سينما ولا مسارح. ستظلُّ جميلة، حتى لو صارت بلا زهور ولا نَحَّالين، ولا عسل. لكنها لن تظلَّ جميلة إذا صارت بلا شعر، سيتكرر الكلام مثل الصدى، وتشيخ الشوارع وتتكرر الأيام في صورٍ متشابهة، وأصواتٍ متشابهة، وقصائد متشابهة عن نِسوةٍ في المدينة متشابهات! ونشرة أخبار في جميع الفضائيات متشابهة. المشكلات والمقترحات، سيارات رجال الحزب والثورة التوائم متشابهة، بيوتهم متشابهة، توصياتهم ونصائحهم متشابهة!
اضافة شعرية
الواقع مؤلم يحتاج إلى إضافة شعرية، اهتمام شعري ليضيءَ جانباً من موضوعٍ عام، مثيراً للدهشة والإعجاب.
الشاعر لا يبحث عن الأحداث والأخبار والأدلة والبراهين والعِلل في العالم الخارجي، الشاعر يتأمَّل التبدلات التي تحدث في العقل البشري الذي يخضع للعالم الخارجي. فإذا نَظرَ إلى عاصفة الغبار، قال: هذه الأشجار التي استغرقت عشرات السنين لتنمو، بقرارٍ أحمق أحرقوها فحماً للأركيلة، أحرقوها وجرَّفوها وبنوا عليها عشوائيات.
لأنْ تكون شاعراً، ذاك هو قَدَرُك، فلا مَناص. وأنْ تكونَ إنساناً قبل ذلك. مُحِبَّاً قبل ذلك، لا حقوداً لا حسوداً، لا متنمِّراً لا عنصريَّاً، لا بوجهين ولا ثلاث. لا متكبِّراً بمنصبك ولا بكرسيِّك. لأنْ تكونَ شاعراً يعني أنْ تعرفَ جيداً أنَّ الطبعات الفاخرة والمكررة والورق الملون المُصوَّر، والتحسينات الأسلوبية التقليدية في فن الشِّعر، قد استهلِكت. وتذكَّر جيداً، أنَّ الشاعر لا ينصح السلطة مباشرةً، صالح أو لا تصالح، الشاعر لا وقت لديه ليحضر جميع المهرجانات، الشعر يقرأ، الشاعر يتأمل، الشاعر يكتب. الشاعر حيث يضع نفسه. ايُّها الشاعر، لا تَنَمْ، لا تَنَمْ، اقرأ اكتب، ابحث تأمَّل، لا تَنَمْ، لا تَنَمْ، اشتغل،لا تتوقف عن العمل. لا تَنَمْ، لا تنم، حارب النعاس،كما النجمة، كما الطيار، لا تنمْ، لا تنمْ، أيها الشَّاعر، إذا غلبكَ النُّعاس، تذكَّر عمر الخيَّام. لا لا تستسلم للنوم.أنت رهينة الزمن،أنت عند الخلود، أسير.