ربما كانت كلمة”الفساد” من أكثر الكلمات شيوعاً ليس لدى الجماهير التي تعاني من وطأته عليهم في صغيرة وكبيرة وكلما وجدوا أنفسهم مجبرين على مراجعة احدى دوائر أو مؤسسات مايطلق تجاوزاً عليها اسم الدولة العراقية. بعد قرابة عشرين عاماً الفساد ضارب بجذوره في تفاصيل حياتنا كما لو أنها جذور شجرة عتيقة يصعب إستئصالها. لماذا؟ لأنه فساد” مقنن” يفرض حضوره بقوة القانون بحيث لا يستطيع أي قضاء أو مؤسسات مجتمع مدني أو هيئات نزاهة أن تلاحق هذا الفساد. لنأخذ مثلاً على ما ذهبنا اليه بأن ننظر الى المرتبات الخرافية التي تتقاضاها الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم في درجاتهم أضافة الى شرائح أخرى واسعة الكم من منتسبي أجهزة ومؤسسات هذه الدولة إضافة الى كم هائل من المخصصات الخيالية وما الى غير هذا مما يجهله معظم الناس. ألم يجري هذا بقوة التشريع؟ هل يستطيع كائن من كان أن يحتج على هذا الهدر بالمال العام؟. المرتبات هي أول وأكبر أبواب الفساد ومن يريد التصدي له فالخطوة الأولى هي في إلغاء هذا الهدرالذي هو أقرب الى النهب منه الى مرتب هو في كثير من الدول المتقدمة مجرد مكافأة تنتهي بإنتهاء فترة تكليف المسؤول بمهامه.
الغريب أن هذا الهدر في المال العام يتحول وبقوة القانون أيضاً الى حالة مستدامة لا تنتهي حتى بموت المستفيد إذ يتحول آلياً الى ورثته القاصرين او زوجته من خلال ما يسمى بالتقاعد وهو حالة فريدة في العالم تخرق ضوابط الخدمة بالمدنية عندما ترتقي بخدمة شهر واحد أو سنة أو أربع سنوات الى ما يعادل خدمة الموظف المجزية للتقاعد والتي تتراوح ما بين خمسة عشر عاماً في حالات خاصة وما فوق الثلاثين عاماً أو عندما يبلغ الموظف الثالثة والستين من عمره.
من أراد التصدي للفساد ومواجهته فعليه أن يبدأ بهذه المرتبات غير المعقولة وإعادة تقنينها ضمن الحدود المعقولة وإلغاء بعضها نهائياً كمخصصات الرئاسات التي لا مبرر لها. المرتبات الخرافية تغري حتى لمن جاء بنية صالحة لخدمة البلد لأن المال يغري ويفسد ويعمي ويسحق النوايا الطيبة. مرة أخرى نقول لمن لايكف عن الصراخ بمحاربة الفساد أن عليه ان يبدأ بالمرتبات المشار اليها.