النقد بمفهومه ورؤاه يقوم على بعض التصورات والرؤى بما تعتنقه النظريات والمناهج النقدية
وطالما نحن في العصر الحديث ، فأن مهام النقد اليوم تقوم على فهم النصوص دون الاتكاء
على المقارنة الابداعية المعاصرة ، إذ ان لكل جيل حضارته الخاصة ، وليس هنالك وجه
للاجراءات والتداول المقارن مع الثقافة الماضية ، بحكم صيرورة اليوم وما تتجه اليه الحداثة
فأن تحليل النصوص وتفكيكها يحيلنا الى ضرورة فهم البيئة الآنية ووعيها الأدبي ومستواه
الابداعي ، هل من المنطق مقارنة بيئة وظروف ووعي لجيل مع آخر لا يشبهه ولا ينتمي
اليه ، أن النقّاد اليوم ضالعون في الماضي ولا يحترمون ثقافتهم ووعيهم وانتمائهم الحضاري
ويعتبرون التاريخ هو الأداة الوحيدة التي تمكنهم من تقييم الأعمال الأدبية الحديثة بما جاءت
به تلك النظريات والدراسات والتنظيرات النقدية السابقة ، أنا لا أقول أن يبتكروا أدوات
جديدة بقدر ما أعني أن يعملوا على ما تكشفه أدواتهم في دراسة النصوص الحديثة دون
الرجوع الى الماضي الذي نستفيد منه غالبا في تعزيز الأدوات وليس في نسخ أساليبها
النقد اليوم معاير للسياق التاريخي وحتى المعاصر ، وكأن النقد الحديث قاصر لم يبلغ
بعد سن الرشد ، فهو تقليدي بحت ، لا يستطيع أن يفكر بنفسه ، ولابد من تفكير غيره
ليعمل على أثره ، لماذا لا يطوع الناقد أفكاره الخاصة وهو دائما ما يحتاج الى أفكار
غيره ، آليات غيره ، ورشة غيره ، أدوات غيره ، وكأنه دمية تُحرّكها الخيوط ، لا
يقبل أن يستنبط لنفسه ولا يبتكر ولا يستحدث ولا يغامر ، فهو رهين الدراسات التي
قرأها وتأثر بها ، ويعتبر كل ما جاءت به البحوث والدراسات النقدية القديمة والمعاصرة
مقدسة والخروج من دساتيرها معصية لا غفران لها .
سألني أحد النقاد حين تكلمنا ذات مرة بهذا الموضوع ، كيف تعتقد أن يكون النقد اليوم ؟
قلت له : يكون حيث نكون نحن ، فالكاتب والناقد من نفس البيئة والظروف والحياة ، وأن
ما يجري ليس ببعيد عن كلاهما ، وعند استخدام التقييم ، علينا أن نعطي النسب مقارنة
بين الكتاب وبعضهم وليس بين الكتاب اليوم وما سلف من الكتاب المعاصرين .
الصح هو المقارنة بين الشعراء وزملائهم والقصاصين وزملائهم والروائيين وزملائهم
سواء في البلد أم في بلد آخر ، فهذا هو زمانهم وحضارتهم وبيئتهم ومجتمعهم الذي
يعيشون فيه جميعا بنفس الوقت ، من المضحك أن أقارن ابداع شاعر من شعراء اليوم
مع المتنبي أو ابو تمام وابو فراس او الرصافي او الزهاوي ، لان المقارنة هنا غير
متكافئة البتة ، حتى الشاعر المعاصر لا يعتبر مثيل ولا ند لشعراء اليوم وكذلك الروائيين والقاصّين الأمر بحاجة الى اعادة نظر منطقية ومعقولة يتقبلها الانصاف والعدالة ، النقاد وبشكل إجرائي بحاجة الى تطبيقات نظرية حديثة ، انني لا أدرك ما هو المفهوم عند
هؤلاء النقاد الذين يستخلصون الابداع عبر أسلافهم النقديين !!
لقد أقيم مؤتمرا للنقاد في بغداد حسبما أتذكر قبل سنتين أو ثلاث ، وكنت أتصورهم
سيناقشون مشاكل النقد ويتطلعون للأفضل ، فإذا بهم يخرجون بورقة عمل مشترك
تنص على دسترة النظريات النقدية المعاصرة واعتبارها كراريس مقدسة .. يا للأسى
هؤلاء النقاد يقتلون طموحات النقاد الشباب بما رسخ وتجذر في عقولهم المقفلة .
أنا وبكل قوة أقف بالضد من النقد التقليدي الكلاسيكي الاستعراضي المصطلحي
وأقول لكل ناقد : إذا عجزت أن تقدم دراسة نقدية لا تقل جمالا عن النص فلتعتزل
خير لك من أن تزعجنا بكتابات مبهمة حتى أنت نفسك لا تفهمها ، أو كتابة نقدية
مملة تسبب النعاس لقارئها .
والسلام على من أتبع النقد .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *