مثل وحشين مفترسين خرجا من اعماق الصحاري والغابات البعيدة، انقضّا علينا، ففتكا بنا ايما فتك، خنقا، وافتراسا ودهسا،!!.. المشهد يذكرني باغنية “افتح ياسمسم” الجميلة “مابين وبين.. انا بين وحشين حبسوا خطواتي من ناحيتين، فتنساب دموعي بين الخدين .. اتراني اين .. انا بين الوحشين”.
نعم، لقد اصبحنا نحن العراقيين، بين وحشين مفترسين، الاول قادم من الخارج، مثل تنين ينفخ علينا نارا محرقة، والاخر، ربما نشأ بيننا، حتى اذا ما اشتد عوده، كشّر عن انيابه، وراح يفترسنا الواحد تلو الآخر!!..
الوحش الاول، حملته الريح الينا، وهو المتمثل بالعواصف الترابية، التي ضربت اجوائنا من دون رحمة، عواصف غير مسبوقة، من حيث كثافة الغبار ونوعيته، ففي ليلة واحدة، القت الريح على بغداد لوحدها مئات الاطنان من الاتربة والرمال والكثبان، فغصّت المشافي بالمختنقين، والمصابين بالازمات التنفسية، وهدرنا كميات كبيرة من المياه في غسل البيوت والحدائق والسيارات، في ظل شح مائي واضح، ويحذّر المتنبئون الجويّون، من ان العراق، سيبقى عرضة لمثل هذه العواصف، لفترات زمنية غير قصيرة، متأثرا بالتغيرات المناخية، التي يشهدها العالم، الناتجة عن تراجع معدلات المياه واتساع رقعة التصحر، وارتفاع درجات الحرارة..
اما الوحش الثاني الذي ربيناه فينا وليدا، فهو يتمظهر بالحوادث المرورية المرعبة، التي باتت تمثل بابا من ابواب الموت المجاني، حاصدا مئات الارواح سنويا، فضلا عما يسببه من خسائر مادية، ومشاكل اجتماعية معقدة..
وقطعا ان هذين الوحشين سيزدادان ضراوة، مالم نقم بتحصين انفسنا بوجهيهما.
والحل، في الحزامين!!.. الحزام الاخضر، لمواجهة وحش العواصف، وحزام الامان، لتقليل الوفيات الناتجة عن حوادث السيارات..
الاول يتطلب جهودا كبيرة تقوم بها الدولة بجميع فعالياتها، الحكومية، والاجتماعية، والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، لان الامر يستدعي خططا وتخصيصات مالية، وبرامج وسياسات تسهم في الاسراع بتنفيذه، فالامر خطير ولا يستهان به، واي تماهل فيه، يعني اننا سنكون امام تداعيات خطيرة وخطيرة جدا.
اما حزام الامان في السيارات، فهذا قصته قصة حزينة، فعلى الرغم من قيام شركات صناعة السيارات بانفاق اموال ليست بالقليلة، لتأمين متطلبات السلامة فيها، وفي مقدمتها حزام الامان، الا اننا مازلنا نتعامل مع هذا الحزام بلا ابالية مطلقة، ونحن نعلم يقيناً، ان ارتدائه يقينا الموت، وحسنا فعل اهل المرور مؤخرا، عندنا فعلّوا اجراءاتهم بشأن لبس الحزام عند قيادة السيارة، واعتبار ذلك متطلبا اساسيا من متطلبات السياقة، وفرضوا غرامات مالية بحق المخالفين، وهنا ايضا نحن بحاجة الى تضافر الكثير من الجهود، لتوعية الناس باهمية وضرورة حزام الامان، وللاعلام دور محوري في اشاعة هذه الثقافة، فضلا عن باقي الفعاليات الاخرى..
البسوا حزام الامان رجاءً، ليقيكم الموت والغرامة البالغة ٥٠ الف دينار.
——-
مقالي المنشور اليوم الثلاثاء ٣١-٥-٢٠٢٢
في جريدة الصباح