قيل إن امرأ القيس لم يسبق الشعراء؛ لأنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق إلى أشياءٍ فاستحسنها الشعراء واتبعوه فيه؛ لأنه أول من لطف المعاني ومن استوقف على الطلول وقرب مآخذ الكلام فقيد الأوابد وأجاد الاستعارة والتشبيه، منها ذكر الطلول والالتفات إلى الأحباب والتفنن في الأوصاف، وقد ترك امرؤ القيس مذهبًا شعريًا هو الوقوف على الأطلال والبكاء عليها، سار عليه الشعراء من بعده.
يقول في مطلعِ معلقته:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
زهير بن أبي سلمى ثارَ على المقدمة الطللية التقليدية ودعى إلى استبدالها، يقول زهير:
ما أرانا نقول إلاّ معارًا
أو معاد من قولنا مكرورًا.
ليأتي الدور بعدها على شاعرٍ عباسي فذ كان له الفضل الأكبر في تجديد الشعر العربي، وهو الحسن بن هانئ المعروف بأبي نُوَاس
قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس
واقِفًا ما ضَرَّ لَو كانَ جَلَس.
ليهدم صرح المقدمة الطللية وينحو الشعر العربي نحوًا جديدًا، وشهدت اللغة آنذاك انتعاشةً كبيرة.
في الحقيقة، خامرني هذا الموضوع وأنا أُراقب التخريب والهدم على أيدي لصوصٍ لن يتركوا لنا شيئًا في هذا البلد غير الأطلال لنبكي عليها. وهذا ملعبُنا، فنحن بارعين في البكاء في كلا الحالتين، قيامًا وجلوسًا. ولكن من يعيد لنا امرؤ القيس ليكتب معلقة يخلد فيها هذا البكاء اليومي؟
هذا هو السؤال!