اشتد العداء بينهم حتى بلغ مرحلة الاقتتال ، بل الى حرب ضروس دامت عقودا من السنين أنهكت قواهم واستنزفت دماءهم رغم أنهم ينتمون الى موطن واحد ولسان واحد .. انها العصبية القبلية لكلا الطرفين .
هكذا كان الأوس والخزرج في جاهليتهم ، فلما جاء الاسلام وحد كلمتهم ليتحول العداء الى اخاء , وأطلق عليهم رسول الله لقب الأنصار لأنهم نصروا الدعوة وافتدوها بأرواحهم .
نسوق هذا المثال لنعرف كيف تصفو النفوس حينما ترتشف قطرات الحب الندية وهي تنساب عليها برفق وأناة .
وقد قيل ( لا تحب الحب كله لأحد اذ ربما تبغضه يوما ولا تكره الكراهية كلها لأحد اذ ربما تحبه يوما )
فكم من صداقة حميمة تحولت الى عداء قاتل وكم من عداوة بغيضة تحولت الى اخاء مفرط .
وحينما ينشب الصراع بين أبناء الوطن ويستفحل العداء بينهم لأسباب قد تكون واهية أحيانا فمعنى ذلك أنهم سائرون الى كارثة قد تمسح وجودهم .
ان أخطر ما يواجه الوطن هو ألا تكون لهم كلمة واحدة ، تفرقهم الأهواء وتقذف بهم الخصومات الى بحر لا قرار له .
الاختلاف في الرؤية ليس عيبا بل هو نفع فيه مصلحة مشتركة ولكن العيب في التعصب البغيض وفقدان احترام الرأي الآخر ، فاذا رافق التعصب جهل فيه همجية فهي عودة الى شريعة الغاب ليكون الاقتتال وحده هو الفيصل.
ما من أحد عاقل يريد أن يدمر وطنا بيد أبنائه وما من أحد له عين مبصرة يريد أن يكون الدم حلا في اختلاف الرؤية .
احدى صفحات التاريخ تقول أن عرب العراق كانوا يوما تحت نير الفرس ذاقوا الويل والهوان على أيديهم ، ذلك أنهم كانوا قبائل متناحرة ، غلبت العداوة على نفوسهم رغم أخوة الانتماء والنسب والدم ، فلما أدركوا آخر الأمر أن عدوهم الحقيقي لا يرحمهم أجمعوا أمرهم أن يقفوا صفا واحدا لمواجهته .. فكانت واقعة ذي قار الشهيرة التي هزم فيها جيش كسرى .
هكذا يعبر الاخاء عن نفسه .. وحدة صف ونصر عظيم في حين أن العداء مذلة وهوان .
ان الدين مؤاخاة وان الوطن مؤاخاة فلم العداء ! الدين رحمة والوطن نعمة ولن تكون نهضة الا بالحب والعطاء لا بالفرقة والعداء .
ألسنا عقلاء لنحسم أمرنا بعيدا عن الصراع الذي لا يغني شيئا ! ش
ان العداوة نار تحرق شعوبا وأوطانا بينما الاخاء ريح صبا تبعث السكينة والطمأنينة .
جمع الاسلام شعوبا وقبائل تحت رايته بالحب والاخاء وأزال عن قلوبهم حمية الجاهلية البغيضة .
ذلك أنهم بنعمة الاسلام أصبحوا اخوانا فكانوا على قلب رجل واحد ، وهكذا قيض لشمس الاسلام أن تبسط جناحيها على أرض فسيحة من المعمورة .
فليتنا اليوم نستفيق من غفلتنا ليتحول العداء الذي بيننا الى اخاء .