سمعت من صاحب المنصب الأعلى انَّ من المفترض استعادة الأموال المسروقة وهي بالمليارات بحسب قوله مقابل العفو عن اللصوص وعودتهم الى الحياة الطبيعية، مبرراً ذلك بالقول انّ التجربة مارستها بعض الدول في استحصال الأموال المفقودة والمنهوبة، وانه لا يوجد انسان معصوم من الخطأ.
اغفل المسؤول مسألتين عن دراية أو غير دراية، لا أدري، الأولى هي انّ الذين سرقوا المليارات ونهبوا الأموال العامة العائدة للدولة ليسوا هاربين أو خائفين أو خجلين أو مستترين أو نادمين أو متوقفين عن عملية النهب وإنْ اختلفت الأساليب في ايديهم بعض الشيء.
والمسألة الثانية، هي انّ الكلام في التصريحات الإعلامية لا يقود الى تشريع قوانين ملزمة في هذا الجانب المثلوم من حقوق الدولة والشعب، وانّ أيّ مقترح من هذا النوع، لابدّ من تمهيد قانوني له ومؤازرة من مجلس النواب ومن جهات أخرى في هيكلية الدولة ومحيطها النافذ، وانه لا توجد حتى الآن علامات لتبني استرجاع الأموال المنهوبة عن طريق قانون المقايضة الذي جرى في مصر مثلا في حدود ضيقة وعبر مكاشفة لم ينهتك فيها ستر أي وجه جرى كشف تورطه بالاستئثار بالمال العام والربح على حساب المنصب، ومن ثم تمتعه بالعفو، لكن الامر في بلادنا مختلف وهناك استار و توريات سياسية وسواها سوف تنتهك.
في العراق، دخل الفساد في تكوين القرارات المصيرية للبلاد والمشاريع الاستراتيجية وسلالم التوظيف بالمناصب الكبيرة وصولاً الى تركيبية لفة الفلافل التي يتناولها العامل الكادح والمعدم في بغداد.
هذه المعادلة التي يتشهّى حصولها ذلك المسؤول، وهي مستحيلة التحقق في العراق اليوم، تعني نسف العملية السياسية وحل الأحزاب كافة وطلب المعونة الدولية من حكومات ومنظمات لتتبع الأموال المنهوبة واصحابها في حال عدم قبولهم في التسوية بهذه الصفقة، التي لا ينفع تطبيقها على صغار الحرامية، الذين أشار اليهم المسؤول الأعلى بالقول : لا يذهب بكم الظن انّ الأموال هي خمسون الفا أو مائة ألف دولار، انها بالمليارات.
بالرغم من انّ استعادة حقوق البلد لا ينبغي ان تخضع لتراتبية في السماح لدرجات معينة من السرقات بالمرور، والتشديد على درجات أخرى أعلى. لكن بلا شك انّ هناك أولويات، وانّ هكذا توجه مقصود منه، استهداف الحيتان الكبيرة التي نراها تسبح حتى في المياه الضحلة والسواقي بحثاً عن فرائسها الجدد، حين تنحسر أمامها البحار والمحيطات.