قالت لي صديقة ( لقبتها بسيدة التدوين و كاتبة الواح الطين ) قبل ربع قرن : أن البابليين كانوا يعتقدون أن الالهة خلقت اعمارنا و اقدارنا في كفوفنا ، فرسمت مسار العمر و رسالتنا في الحياة على راحة الكف الأيمن ، و وضعت ارزاقنا و صراعاتنا على باطن كفنا الأيسر ..
وتستطرد صديقتي : أن الإعمار و الأقدار تتغير على قدر عمل الإنسان وسعيه في الخير ،و ما يحدثه من حسنات او مصائب ، و ما يفعله من طيبات او صراعات ..
قبل أشهر تم عرض فيلم امريكي اسمه(In time ) ، تستمد محتوى الفكر البابلي القديم بشكل قصة غريبة وأحداثه تكاد تكون قليلة لكن فيه “رسالة” سماوية عظيمة وواقعية إلى حد أنها تثير الذعر والألم في وقت واحد !!
بدأ
الفيلم يبين بأن الأنسان عمره الحقيقي مُسجل على الذراع الأيسر ( لكل الأبطال ولجميع المشاركين بالفيلم ) ،حيث يحرص المخرج على أن يريك الثواني والدقائق والساعات كيف تستنفد من عمرك ..
والمرعب في الفكرة، هي في استعمالهم العمر في التعاملات المادية بدل المال !!
بمعنى إنهم عندما يحصلون على متطلباتهم الحياتية اليومية يقومون بالسداد عن طريق الوقت المتبقي من عمرهم المثبت على ذراعهم….
فمن يحتاج شراء أي شيء يجب أن يستغني عن ٣٠ دقيقة او ساعة او يوم مقابل ان يحصل على هذا الشيء وإن رغب في استعمال المواصلات فيجب أن يفرغ من ساعة اليد المسجّل فيها ” عمره ” من اجل الوصول للمكان الذي يريد حيث لا يوجد اي تعامل بالنقود
(( التعامل بالعمر فقط لا غير ))..
وأضاف المؤلف شيئا من الواقعية يشبه واقع الحياة تماماً ..
إن هذه الساعة الرقمية الخاصة بالعمر يوجد فيها طبقية (( فقراء العمر وأغنياء العمر ..))
أي انه هناك أشخاص لديهم عمر زمني اكثر من 100سنة وآخرين عايشين اليوم بيومه مجرد ما ينتهي وقتهم يموتون ..
أحد المشاهد يظهر البطل وهو ينتظر أمهُ على المحطة ليمنحها من يده بعض الساعات والايام كي يلحقها قبل ان تموت لأن المتبقي من عمرها هو ساعة ونصف وبطارية العمر لديها ستنتهي حيث ستموت بشكل تلقائي ..
عندما استقلت الام الباص قاصدة ابنها قال لها السائق سيدتي الأجرة تعادل استهلاك ساعتين من عمرك..
ولا تملكين سوى ساعة ونصف فقط فنظرت للناس حولها نظرة حيرة ورجاء، لكن لم يكترث احد منهم ولم يمنحها أحد دقيقة واحدة أو عدة دقائق من عمره ..
نزلت الأم وبدأت الجري مسرعة لمقابلة ابنها الذي قرر أن يهبها عشر سنوات من رصيد عمره المسجل على ذراعه حباً بها.
من بعيد شاهدا بعض وقاما بالجري باتجاه بعض والدقائق تعد والثواني تجري ومجرد ان وصلا لبعض حضنت الأم ابنها ووقعت بعدها
فماتت لاستنفاذها آخر ثانية من عمرها ..
اكثر مشهد مؤلم في الفيلم كله ..
نظرة السيدة للناس في الباص وهم يتجاهلون حيرتها، كان من الممكن لأي شخص أن يمنحها دقائق قليلة من عمره تساعدها للحصول على عشر سنوات اضافية على حساب ابنها الرائع ، الذي سيسددها للمتبرعين الدقائق…
ولكن في الواقع لا احد يستطيع أن يمنحك العمر ..
الفيلم أوصل رسالة عظيمة وواقعية جدا :
فمهما عملت في حياتك من حسنات او سيئات، من شرور أو خيرات لبني البشر..
فحينما تقع و تفشل أو تمر بأزمة ما، لن تجد أحدا بجانبك ولن تجد إنسانا يمنحك لحظة من عمره تسترجع فيها نفسك وقدراتك في محاولة أخرى للنجاح غير الله عز وجل وجزاء عملك ، لن تجد أحدا يضحي ويمنحك دقائق من عمره في سبيل أن تتخطى أزمتك وتتعافى سوى الله الأقرب من النفس الى الإنسان ..
يوما ما ستنفد وتنتهي بطاريتك وتوشك صلاحيتك على النفاد، لن ينقذك إلا إيمانك وصدقك وسعيك واجتهادك..
إياك أن تضيع دقيقة من حياتك في العبث واللهو والحسرة و الحزن والانتقام و الندم على شيء..
اي واحد منا مرسوم على ذراعه ساعة موجود فيها بطارية عمره وهو يراقب الثواني والساعات والايام تتراجع أمام عينيه كان الأولى مراجعة حساباتنا بشدة كما تتراجع الساعات والأيام.
الوقت عامل أساسي
نحن نفقده بسهولة بلا اكتراث، والاصعب أننا سنحاسب على كل لحظة فيه.
البروفيسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي