ليس من العيب ان نختلف، ولكن من المعيب ان لا نعرف كيف ندير الاختلاف.
ليس من الضروري ان تكون تياريا او اطاريا او غير ذلك لكي تؤيد او تعارض قانون الامن الغذائي الذي اقره مجلس النواب مؤخرا. وليس من الضروري ان يغضب كل فريق على الطرف الاخر ويشيطنه بسبب هذا الاختلاف. الموضوع من الشؤون العامة التي تهم كل الناس ومن الطبيعي ان يكون لكل مواطن رأي بهذا الامر، فقد يعارضه وقد يؤيده، ولكلِّ اسبابه التي يتمتع كامل الحرية بالاقتناع بها مقابل عدم الاقتناع باسباب الطرف المقابل. هذه هي الحياة، والاختلاف من سننها في مرحلتنا التاريخية الراهنة. وبهذا نطق القران الكريم: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ۖ ولا يزالون مختلفين وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”. وانما قلت “مرحلتنا التاريخية الراهنة”، تبعا لتقسيمات السيد محمد باقر الصدر لمراحل التاريخ البشري وفقا للقران وهي ثلاث مراحل حتى الان وهي: مرحلة الحضانة، ثم مرحلة الفطرة، ثم مرحلة الاختلاف الحالية. ولذلك فحينما نختلف لا يصح ان يأخذنا العجب او الغضب او نستغرب او العداوة بسبب الاختلاف. فنحن كبشر في مرحلة الاختلاف الان، لا اكثر ولا اقل. وسيأتي يوم يزول فيه هذا الاختلاف في مرحلة قادمة من تاريخ البشرية، وكفى اللهُ الناس شر الخلاف!
قانون الامن الغذائي من القوانين الحساسة، لانه عالج قضية تواجه العراق وهي الفائض المالي بسبب الفرق الهائل في اسعار النفط بين السعر الذي توقعته الموازنة العامة للدولة وبين الاسعار العالمية، ولا يعالج مشكلة الجوع التي لا يعاني منها العراق بالمعايير الدولية. فقد حذرت منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي من أزمة غذائية وشيكة واسعة النطاق في العالم، حيث يهدد الجوع الاستقرار في ٢٠ دولة ولكن ليس من بينها العراق. وهذه ملاحظة مهمة لم تغب عن بالي. وهذا يعني اننا لسنا في وضع طاريء يدفعنا الى اتخاذ اجراءات طارئة غير مدروسة سواء فيما يتعلق بالغذاء او المال الفائض؛ وانما نملك وقتا كافيا للتفكير بهدوء وعلى روية في كيفية التصرف ازاء الامرين بطريقة سليمة مدروسة وغير مستعجلة.
لكن الذي حصل، في رأيي، ان الحكومة ومجلس النواب لم يتعاملا مع الامرين بطريقة حصيفة. وبغض النظر عن دوافعهما ونواياهما في التصرف الذي تمثل في قانون الامن الغذائي فانه لم يكن يمت الى مفهوم الامن الغذائي بصلة لا من قريب ولا من بعيد، واسهل تفسير لذلك ان الذين وضعوا القانون وشرعوه وايدوه لا يملكون فكرة واضحة عن مفهوم إلامن الغذائي، بدون شيطنتهم والغوص عميقا في نواياهم على اساس سوء الظن. ذلك لان الامن الغذائي يعني ببساطة وكما شرحه لنا المتخصصون بالاقتصاد “القدرة المستدامة على توفير الغذاء، سواء محلياً أم أي سبيل آخر.” وبديهي ان الزراعة والتربية الحيوانية والصناعات المرتبطة بهما تشكل اهم ادوات “القدرة المستدامة لتوفير الغذاء”. ولما كنا بصدد وفرة مالية كبيرة فان ابسط ما نتوقعه من الجهة القابضة على المال، اي الحكومة، هو ان تتخذ قرارات واجراءات وخطوات لتعزيز “القدرة المستدامة لتوفير الغذاء”. وببساطة ووضوح واختصار فان قانون الامن الغذائي لا علاقة له بهذا الامر، لانه حسب ما تعلنه الجداول المرفقة في القانون عبارة عن توزيع عشوائي للمال الفائض على اطراف وجهات لا اكثر، مما تسبب بهدر كمية كبيرة من المال كان بالامكان استثمارها بطريقة افضل. (بالمناسبة: لم يشمل الجدول تخصيصات لشبكة الاعلام العراقي لاغراض الانتاج الدرامي وهو امر من شأنه ان يوفر دخلا ماليا عاجلا لشريحة واسعة من المواطنين مثلا!).
لهذا عارضت القانون. ولا اطلب من غيري ان يعارضه، فلا يطلب مني احد أن أؤيده.
وبالمناسبة ايضا، انا اعتبر ان الاطار التنسيقي اطلق على نفسه رصاصة الرحمة بموقفه المتخاذل من القانون ولم يعد هناك مبرر لوجوده!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *