يذكر التلميذ فضل الأستاذ عليه , ذلك أن الأستاذ علمه الحروف حرفا حرفا والكلمات كلمة كلمة حتى استطاع أن يقرأ الكتاب ويكتب بالقلم .
وهو يعجب كل العجب من صبر الأستاذ وطول أناته والجهود التي بذلها ليشق طريقه بنجاح هو ورفاقه .
وهو اليوم يتبوأ موقعا مهما من مواقع الدولة ولولا أستاذه ما طال هذا الموقع .
وهو يدرك أن أصعب ما في رحلته الدراسية هي البداية , اذ كان يجد مشقة في رسم الحروف ونطقها ثم حفظها , غير أن ذاكرته استوعبت الدرس بعد جهد ومعاناة .
أما الأستاذ فيرى أنه الشمعة التي تحترق لتنير الدرب للآخرين , وأنه كان بدوره حصيلة أستاذه الذي فتح له آفاق المعرفة .
ترى كم عدد الذين تتلمذوا على يديه وكم منهم تبوأ المواقع المهمة في الدولة ؟
لقد كان يغمره احساس بالفرحة كلما شق فوج من تلامذته الطريق بنجاح .
ورغم أهمية الدور الذي يقوم به الأب في تربية أبنائه الا أن للأستاذ اليد الطولى بما يحمله من علم وخبرة في ارساء قواعد التربية في نفوس تلامذته .
انه المرشد الروحي لهم والقدوة التي لا مناص من الأقتداء بها .
أما العلوم التي يغذي بها عقولهم فهي الدعامة لبناء الوطن , غير أن الأستاذ يأسف لما يلاقيه من جحود وعقوق من بعض تلامذته الذين أصبح لهم شأن , انهم يبخلون عليه حتى بالتحية كأبسط حق من الحقوق التي في ذمتهم .
غير أن الكثير من تلامذته يوفونه حقه بالاحترام الزائد ويبذلون قصارى جهدهم في خدمته بعد أن أتعبته السنون برحلتها الطويلة .
وبين الوفاء والجحود مسافة فاصلة يرى من خلالها الأستاذ المعاني الكثيرة , ومن تلك المعاني أنه أدى رسالته على خير وجه , فلم يغبن أحدا حقه وكان العدل نهجه , وأنه نقل علمه الى تلامذته بأمانة واخلاص , وكان يسهر الليالي يبحث في الكتب عما استجد في ميدان التعليم ليضعه بين يدي تلامذته .
ان ما بين التلميذ والأستاذ وشيجة أقوى من أية وشيجة , وهي بالتالي صلة روحية يبقى أثرها على مر السنين .
لقد فتح الأستاذ درب المعرفة للتلميذ وبذلك أحال حياته الى نور بعد أن كانت تغمرها ظلمات .
فمن أحق بالأعتزاز والفخر من الأستاذ الذي فرش ورودا وزهورا للصبية الذين كانوا تلامذة له بالأمس وهم اليوم رجال في مواقع متعددة في الدولة ؟
—————————–