هناك نوعان من الانسحابات السياسية، الانسحاب الأول يكون من مجلس النواب، والانسحاب الثاني يكون من العملية السياسية برمتها، وهذا الخيار الأكبر والأخطر والذي يمكن ان يحيل الفرح الوقتي لخصوم التيار الصدري المنسحب الى أيام سود.
يبدو في الوهلة الأولى، انّ قرار زعيم التيار الصدري في استقالة نوّابه من البرلمان، هو شطب على خيار المعارضة السياسية داخل المجلس النيابي والمضي الى خيار سياسي آخر، لم يتبلور على الفور، وسيكون لا محالة من خارج التشكيل السياسي الرسمي المتداول، و مصدرالخطورة هنا يأتي من احتمال أن يجري تثبيت الانسحاب النهائي من العملية السياسية، التي كان قد التحق بها التيار في اعقاب اول انتخابات نيابية، حين كان البلد لا يزال محتلا من الجيش الامريكي.
التيار الصدري لا يزال يتحكم بمفاصل أساسية في الشارع العراقي الشيعي، وانّ الأطراف السياسية الشيعية الأخرى لن تجد ذلك الشارع خالياً لها، كما خلت امامها مقاعد النواب الصدريين في البرلمان. كما انّ التيار الصدري له قوة عسكرية هي سرايا السلام ممثلة بشكل حيوي في هيئة الحشد الشعبي وتمسك بواجبات عسكرية ميدانية أساسية في محيط بغداد الاستراتيجي، وانّ تجميد عملها، فيما لو حدث، سيكون عبئاً كبيراً على أطراف في المعسكر المناوئ، واية حكومة مقبلة.
لا يمكن أن تخفى على أي مراقب علامات الفشل السياسي العام في البلد، التي افضت الى نتيجة قرار زعيم التيار الصدري، وهذا الفشل له نتائج في الواقع لا تمحوها الاستقالة الجماعية في البرلمان.
إنَّ التخلي عن خيار المعارضة من داخل البرلمان له تبعات، برغم من انه غير مجد وغير مؤثر عملياً، إلا انه يخضع لشارات تفاهم، باتت غائبة عند تحول التيار الى دور سياسي ورقابي داخل الشارع ومن مواقع خارج العملية السياسية.
الآن بدأ التعقيد في المشهد، وكان واقع الانسداد أرحم لأنه معلوم الاطراف
والحدود، في حين ان التعقيد يجلب معه الخطوات غير المتوقعة والتي لا تحتملها العملية السياسية المترنحة.
هناك مَن يقول انّ الاصطدام بجدار الضغوط الخارجية قاد الى الانسحاب البرلماني والزعل السياسي. لا يمكن توكيد او نفي شيء، حين تكون «الجيوش» ملتحمة في المعركة التي لم ينقشع غبارها.
على اية حال، فإنّ علامات النجاح لأي طرف في المسارات الجديدة غير مضمونة أو نهائية.
لا يبدو لي انّ الانسحاب الجاري الى وراء، انما هو انسحاب الى أمام، وتلك مسألة خطيرة لها تفاصيل متعبة ستظهر لاحقاً