تتسارع الاحداث في العراق ، لتعطينا فرصة ان نعلق عليها ، وخاصة بعد اعلان السيد مقتدى الصدر ، رئيس تحالف التيار الصدري عن دعوة نوابه الى الاستقالة من مجلس النواب ، واستجابة جميعهم ال 73 نائبا للدعوة ، وبسرعة البرق ، تم قبول الاستقالات من قبل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي .
كان يستطيع السيد مقتدى الصدر ان يوعز لنوابه بتجميد عضويتهم من خلال فقط اعلانهم ذلك ، ومقاطعتهم للجلسات ، وانتظار تغير الوضع ، ليعودوا الى المجلس ومن خلال اعلانهم للعودة الى عضويتهم ونشاطهم ، وهذا لا يؤثر على عضويتهم ولا على مسار المجلس ، ولكن الاستقالة تعني دستوريا خروجهم من مجلس النواب ، بلا عودة لحين انتخابات جديدة .
اذا ، الاستقالات وراءها موضوع أكبر من تجميد أو انسحاب ، وتعني كذلك دستوريا بانها خطوة اولى لانهاء اعمال الحكومة والتي هي بنفس الوقت حكومة تصريف أعمال منذ شهر اكتوبر من العام الماضي ، والاستقالات انهت أمل اختيار رئيس جمهورية ثم اعادة اعتماد السيد الكاظمي لفترة قادمة أو اختيار رئيس وزراء جديد .
ونعيد ما كتبنا قبل ايام تحليلا لما نراه من مجريات احداث العراق وخلاصته بان مسألة الاتفاق على اختيار رئيس جمهورية ، ليست خلاف بين الحزبين الكرديين ، او ما يسمى بالبارازانيين والطالبانيين ، بل لعبة سياسية بانتظار احداث كبيرة مهمة .
ومهما ابتعدنا عن مناقشة امور فيها اشارة الى قومية ، أو طائفية أو عشائرية ، لا يمكن نفي كون الشعب العراقي ومجتمعه مكون من شرائح قومية ودينية كانت تعطي الوان زاهية في المحبة والسلام والاخاء الى ان حولها المحتل الى نقاط تفرقة وكره وضعف :
– قوميات ثلاثة ، هي العربية والكردية والتركمانية ، ومع قلة عدد نفوس القومية التركمانية ، وانحسار نفوذها السياسي ، يبقى في الساحة اللاعبين الرئيسين العرب والاكراد .
-اديان ومذاهب واقليات ، وبنفس اللغة ، مع انحسار عدد ودور المذاهب الصغيرة والاقليات ( المسيحين ، اليزيديين ، الصابئة المندائيين ، الشبك ، واخرين اقل عددا ) ، يبقى في الساحة الاغلبية الاسلامية .
– وبكل تأكيد لا يمكن نفي أو انكار ما ثبته المحتل من وجود اسلام شيعة واسلام سنة ، وهو تمييز ضد ارادة الشعب العراقي الذي تتداخل عوائله الاسلامية بين السنة والشيعة ، وتم زرع التفرقة من قبل من لهم مصلحة في تحطيم العراق ، ومن اجل ان تكون الحرب الاهلية جاهزة في اي وقت مثل ما حصل في اعوام 2006-2007 .
وقادة الاكراد ليسوا طرفا في النزاع القائم ، بل هم يعملون على الحصول عن طريق التفاهم أو الاجتماعات أو المفاوضات أو الابتزاز ، على أكبر دخل للاقليم مع توسعهم جغرافيا بما تسمح به الظروف وضغوط تركيا ، والحفاظ على منصب رئيس الجمهورية ، بعد الغاء وفقدان مركزي نائب رئيس الوزراء ، ونائب رئيس مجلس النواب ، ويبقى أملهم في الاستقلال عندما تحين الفرصة .
وقادة السنة ، اصبحوا لا يهمهم الحكم ، بل نسبة الغنائم من المحاصصة وعدد أكبر للمناصب والمراكز ، والحفاظ على رئاسة مجلس النواب ، بعد الغاء وفقدان مركزي نائب رئيس الجمهورية ، ونائب رئيس الوزراء .
ماذا بقى في المعادلة ؟ بقى قادة التحالفات الشيعية ، والتي تغطي خمسة تحالفات اتفقت سابقا وأقسمت على ان لا تنقسم ولا تختلف مع بعض ( سائرون ، النصر ، دولة القانون ، الحكمة ، الفتح ) .
واكبر تحالف شيعي هو تحالف التيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدى الصدر ومعه المتحالفين مع ” الكتلة الصدرية ” ، وهم جماعة تحالف ” انقاذ الوطن ” ، المؤلف من قادة ” أئتلاف السيادة ” بقيادة خميس الخنجر ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، ومباركة ودعم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي .
والتحالف الشيعي الثاني ، المسنود والمدعوم من قبل ايران ، هو تحالف ” الاطار التنسيقي ” ، والمؤلف من دولة القانون بقيادة نوري المالكي ، وتكتلات من تحالفات الحكمة والفتح والنصر ، بقيادة عمار الحكيم وهادي العامري ، وحيدر العبادي ، قيس الخزعلي .
المعلومات المتوفرة ، بوجود احتمال حصول انقلاب ابيض يقوم به السيد مقتدى الصدر والسيد مصطفى الكاظمي ، وبتأييد الاكراد ومباركة محمد الحلبوسي ، لاخراج الوضع السياسي في العراق من حالة الجمود والانسداد ومن التدهور والانهيار ، وابعاده عن النفوذ الايراني بعض الشيئ ، نتيجة التغييرات في المنطقة ، والضغط على العراق للدخول في معمعة التطبيع ، رغم صدور قانون تجريم التطبيع وهو للاستهلاك المحلي والمرحلي .
لا يحتاج الانقلاب الابيض الى أكثر من :
– بضعة ضباط من الموالين الى السيد مقتدى الصدر ، ويا مكثرهم حاليا في الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة .
– نزول قوات السرايا الى المنطقة الخضراء واحتلالها ، وليست هذه المهمة صعبة ، بل لا تحتاج الى تنفيذ مع وجود قوات الحكومة فيها ، ويستطيع السيد الصدر من انزال مليونين مسلح الى الساحات والشوارع خلال ساعات .
– تعاون مصطفى الكاظمي في التنفيذ ، وهذا ضروري كون الكاظمي هو حلقة الوصل مع الامريكان ، ولا يتم الانقلاب من غيره ، وسيبقى في منصبه كرئيس وزراء مع صلاحيات اضافية ، وسيتصرف الكاظمي باعتباره رئيس وزراء ورئيس الحكومة ، ويصدر قرارات أمنية مهمة ، ظاهرها تعزيز الامن والاستقرار ، وحقيقتها تعزيز الانقلاب .
– سيهرب اغلب قادة التحالفات الاخرى مع نزول قوات معادية لهم ، ومع أول بيان حكومي حول منع التجول والسيطرة على منافذ البلد .
عسى ان لا نكون قد ذهبنا بعيدا في توقعاتنا وما نستشفه من ما يجري من احداث سريعة ، وربما أصبحنا نرى بصيص ضوء وأمل في نهاية النفق .