أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬واجهني‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬متابعي‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬التي‭ ‬أكتبها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬اليومية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً‭. ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬سؤالاً‭ ‬واحداً‭ ‬لكنه‭ ‬يردني‭ ‬بصيغ‭ ‬متعددة‭ ‬ووجوه‭ ‬متقلبة‭ ‬وأذرع‭ ‬متداخلة،‭ ‬مرةً‭ ‬يكون‭ ‬مرفوقاً‭ ‬بالتمنيات‭ ‬ومرةً‭ ‬مشحوناً‭ ‬بالغضب،‭ ‬وثالثة‭ ‬مدفوعاً‭ ‬بأغراض‭ ‬تتخلل‭ ‬كلماته‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬ورابعة‭ ‬بشكل‭ ‬انفعالي‭ ‬عالي‭ ‬الصوت،‭ ‬وخامسة‭ ‬بحقد‭ ‬وتشف،‭ ‬وسادسة‭ ‬بعقلانية‭ ‬وبحثاً‭ ‬عن‭ ‬معلومة،‭ ‬وسابعة‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬وترديد‭ ‬ببغاوي،‭ ‬ومرة‭ ‬ثامنة‭ ‬يأتيني‭ ‬هادراً‭ ‬عن‭ ‬حرقة‭ ‬قلب‭ ‬وطني‭ ‬عراقي‭ ‬فَقدَ‭ ‬الأملَ‭ ‬في‭ ‬نهوض‭ ‬بلاده‭ ‬كسائر‭ ‬البلدان‭ ‬وهو‭ ‬يشهد‭ ‬مسخ‭ ‬القيم‭ ‬والرموز‭ ‬والتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬أمامه‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سلبوه‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭.‬

ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬المتفجر‭ ‬من‭ ‬الصدور‭ ‬بصور‭ ‬لفظية‭ ‬ومعنوية‭ ‬مختلفة‭ ‬هو‭ ‬متعدد‭ ‬الطبقات‭ ‬ويتوافر‭ ‬على‭ ‬سيل‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬كلمات‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬عتبة‭ ‬الاجابة،‭ ‬وهو‭ ‬قد‭ ‬يغضب‭ ‬الحكومات‭ ‬والزعماء‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لكنه‭ ‬سؤال‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬يومياً‭ ‬ومعروضاً‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق،‭ ‬ومن‭ ‬السذاجة‭ ‬تجاهله‭ ‬ومن‭ ‬الغباء‭ ‬تجاوزه‭ ‬أيضاً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬انّ‭ ‬التاريخ‭ ‬يحفظه‭ ‬وسيرويه‭ ‬للاجيال‭ ‬إنْ‭ ‬امتنعنا‭ ‬عن‭ ‬سماعه‭ ‬أو‭ ‬ذكره،‭ ‬هو‭:‬

‭ ‬لماذا‭ ‬استسلمت‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسلمت‭ ‬سلطة‭ ‬النفوذ‭ ‬والقرار‭ ‬لغريمتها‭ ‬ايران،‭ ‬بعد‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬صرفتها‭ ‬والدماء‭ ‬التي‭ ‬نزفتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬كسرت‭ ‬كلّ‭ ‬قوانين‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والإنسانية‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تمزيقها‭ ‬كلّ‭ ‬شرائع‭ ‬السماء؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تتحرك‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬حول‭ ‬العراق،‭ ‬ويُعنى‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حين‭ ‬يتقلد‭ ‬منصبه‭ ‬بالعواصم‭ ‬المحيطة‭ ‬ببغداد‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬بهذه‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قلب‭ ‬التفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الجالس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬يرى‭ ‬حركة‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظار‭ ‬يمتد‭ ‬نحو‭ ‬بغداد‭ ‬أولاً‭ ‬وآخراً؟‭ ‬

وهل‭ ‬باتت‭ ‬المعادلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السذاجة‭ ‬في‭ ‬الفهم‭ ‬والتقبل‭ ‬والتعاطي،‭ ‬فنجد‭ ‬أمامنا‭ ‬العراقيين‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬القبول‭ ‬باحتلال‭ ‬تراب‭ ‬بلدهم‭ ‬أو‭ ‬الآخرين‭ ‬المتأثرين‭ ‬عرضياً‭ ‬بالدعاية‭ ‬التي‭ ‬مهّدت‭ ‬لذلك‭ ‬الاحتلال،‭ ‬كانوا‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬أعظم‭ ‬جيش‭ ‬غازٍ‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بندقية‭ ‬مستأجرة‭ ‬ثمن‭ ‬أجرتها‭ ‬دماء‭ ‬مليون‭ ‬عراقي‭ ‬أريقت‭ ‬وتهديم‭ ‬بلاد‭ ‬كانت‭ ‬أصل‭ ‬المعرفة‭ ‬ومولد‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬البسيطة،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬لم‭ ‬يلحظه‭ ‬أمريكي‭ ‬واحد؟

‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بأيدي‭ ‬اهل‭ ‬البلاد‭ ‬مسوغات‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يملكها‭ ‬غيرهم،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬امامنا‭ ‬سوى‭ ‬المجهول‭ ‬الذي‭ ‬كنّا‭ ‬نسمع‭ ‬به‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬حقيقة‭.‬

‭ ‬مصير‭ ‬العراق‭ ‬مرهون‭ ‬بين‭ ‬قرار‭ ‬دولتين،‭ ‬إحداهما‭ ‬كأنّها‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬أهل‭ ‬القبور‭.‬‭ ‬يا‭ ‬تُرى،‭ ‬هل‭ ‬ماتت‭ ‬البلاد‭ ‬حقاً،‭ ‬وهي‭ ‬تعيش‭ ‬الانتظار‭ ‬الازلي‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬البرزخ؟‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *