بمناسبة ما يطلق عليه عيد الاب اقدم هذا الموضوع نقلا عن كتابي (صور من الماضي البعيد) الصادر في بــــغداد عام 2017. اعجبني وحيرني هذا الرجل باصراره على تعليم اولاده رغم كل الظروف في ثلاثينيات القرن الماضي في احدى قرى المشخاب بلواء الديوانية قبل نقل تبعيتها الى النجف. في تلك الفترة لم تكن هناك مدارس في القرى. كانت المدرسة الوحيدة في المدينة على بعد اكثر من 10 كيلومترات من قريتهم. ارسل الرجل ابنه الوحيد انذاك الى امرأة عجوز (مله) في اطراف القرية لتعلمه قراءة القرأن والكتابة وظل الولد مدة سنة يذهب الى العجوز تعلمه القراءة ويقوم باعمال يساعد العجوز في كوخها من تنظيف او سقي اشجارها ومزروعاتها. ولما حان سن الدراسة ولم تكن بالقرب من القرية مدرسة ارسل الرجل ابنه الى مدينة غماس ليعيش في بيت خاله ويدرس في المدرسة الابتدائية ولمدة سنة ظل بعيدا عن امه وابيه وعائلته. بعد تلك السنة قام الرجل بنقل ابنه الى مدرسة في مدينة المشخاب حيث يعيش اقارب له وظل الطفل ينتقل بين المدينة والقرية الى ان انهى الدراسة الابتدائية. اصر الرجل على ان يكمل ابنه الدراسة فاخذه الى مدينة اخرى بعيدة هي الشامية حيث توجد مدرسة متوسطة والمهم يوجد هناك اقارب تركه عندهم اربع سنوات بعيدا عن الاب والام والاهل الا في ايام العطل. . بعد السنوات الاربع نجح الولد من اخر صف في المدرسة هو الرابع الاعدادي ولم يكن في المدرسة الصف الخامس. ماذا فعل الرجل؟ اخذ ابنه وكان قد بلغ السابعة عشرة من العمر الى بغداد حيث يعرف الوالد اصدقاء وتركه هناك تحت رعايتهم للالتحاق بالصف الخامس الاعدادي ولم يكن في ذلك الوقت صف سادس وحاول بعد ذلك الحاقه بالقوة الجوية فلم يفلح لكنه شق طريقه في الحياة بعيدا عن الاب والام والعائلة. خلاصة هذه الحكاية ذلك الاصرار العجيب لرجل في قرية على تعليم ابنه ثم بقية ابنائه وبناته رغم كل الظروف. اصرار ادهشني وحيرني واعجبني. الله يرحمك ايها الرجل المدهش وشكرا على كل شيء.
شكرا لك والدي.