يوماً بعد يوم نرى اغلب الاحزاب والتيارات السياسية تزداد تشظياً وتفككاً سواء كانت كتل سنية او شيعية، اسلامية كانت ام مدنية ولا نستثني من ذلك الكتل الكوردية التي لم تحافظ على توازناتها واستقرارها السياسي رغم امكانية بقاءهم على التحالفات الاضطرارية ازاء القرارات المصيرية تجاه بغداد، لانني استطيع وصفهم بتحالف عصى الخيزران التي هي صلدة من الخارج لكنها خاوية من الداخل، متماسكة امام بغداد رغم عمق الخلافات الموجودة بينهم ، على عكس الاحزاب السياسية في دول العالم المتقدم التي تزداد تماسكاً وتمازجاً وانصهار كلما اقتربت الانتخابات التشريعية ،بسبب الايمان بأن المنافسة السياسية تنبع من خلق البرامج التنموية التي تزيد من تماسك تحالفاتها امام الخصوم .
الكل يعلم ان نواة اغلب الاحزاب الاسلامية الشيعية قد ولدت من رحم مدرسة السيد محمد باقر الصدر والاحزاب الاسلامية السنية خرجت من رحم مدرسة حسن البنا ، ورغم ذلك فأن الانقسام بات سيد الموقف ولم يأتي بشيء جديد سوى انها عبارة عن عملية نسخ ولصق لنفس الافكار والمبادئ التي انثبقت من رحم امهاتها ، والواقع يشير الى ان الجزء الاكبر من الضرر والتفكك قد اصاب الاحزاب الاسلامية ولم يصيب الاحزاب المدنية والعلمانية لكونها اصلاً لازالت مصابة بفقر دم نضوج الاهداف وتوحيد القرار والقيادة ، بل بسبب وجود الأنانية بين صفوفهم واعتقادهم بأن كلُ منهم له الاحقية بالزعامة لشعور اغلبهم بأنهم قادة مثل رؤوس مزرعة البصل ، دون التفكير بمواصفات الريادة وجرأة القرار والقيادة !
لا اجد ان المرحلة المقبلة ستُحدِث اي تغيير نوعي وجذري ولا اجد اختلاف في طرح المشاريع والافكار والاهداف الواقعية الا القليل ، التي تتناغم مع مزاج طبقة معينة من الجمهور لكنها تختلف مع الطبقة الاخرى لان الخلفية السياسية والايدلوجية للكثير منها عبارة عن نسخة وندوز XP كلاسيكية تتخذ برنامجاً ومساراً ولوناً واحد لم يطرأ عليها اي نوع من التحسينات او التحديث ، ولم تلعب عوامل الزمن دوراً في اجراء التحديث لاحتوائها على اكبر قدر ممكن من المذاقات الشعبية او السياسية ، سعياً لجذبها وصهرها في بوتقة واحدة لكي تلبي طموح اكبر قدر ممكن من المؤيدين كتمهيد للحصول على الدعم والتأييد المطلق .
الجميع يعلم ان المرونة والانصهار مع الحداثة ومواكبة الافكار المتقدمة هي الوسيلة الانجع للانتشار لاجل المحافظة على ثبات ودعم الموالين لمنظري الايدلوجيات الرئيسية التي انبثقت منها التيارات والاحزاب الفرعية ، لذلك تجد اليوم ان الدول المتقدمة تسعى جاهدة لتكثيف استطلاعات الرأي قبيل كل انتخابات تشريعية ، لكونها مسألة في غاية الاهمية تساهم في تحسين جودة التخطيط والتنفيذ وايجاد استراتيجية بحركة استباقية ناجعة لوضع الحلول العملية دون تلكؤ ، تتلوها خطوات حثيثة وجادة لمطاردة واصطياد ما يفكر به المواطن من احتياجات وخدمات ، اي بمعنى اتخاذ منهجية ذكية للوصول الى تفكير وعقول الناخبين ليتسنى للقيادات السياسية الاستحواذ والحصول على قاعدة شعبية واسعة موثوق بها و بولائها بعيداً عن استخدام المال السياسي او الدجاج المحشي والبطانيات .
المشهد السياسي اليوم يذكرني بذلك الشخص الذي يعاني من الشخير المزمن والذي استنفذ جميع الحلول في معالجة هذه المشكلة حتى اضطر الى اجراء اكثر من عملية جراحية دون فائدة ، اما الانشقاقات وسحب الجمهور والالتحام مرة ثانية وارجاعهم لحضيرة التحالفات موضوع بامكاني وصفه ( بالزوجة الزعلانة ) ، سرعان ماتجمع اغراضها لتغادر المنزل بعد كل مشاجرة حامية الوطيس مع بيتها والقياس مع الفارق طبعاً ، فهذا يشبه الى حد كبير تحالفات الكثر من الاحزاب السياسية الشيعية-الشيعية او السنية-السنية، التي لم تستطيع ان تتسابق للاهتمام بوضع الحلول النوعية الا في اوقات الطوارئ والازمات او قبل كل انتخابات ، فتجد التصدع وانعدام الثقة يفرضا نفسهما بقوة على ارض الواقع ، ناهيك عن التسقيط المنهج الذي وصل الى حد التنابز بالشرف والعرض ظاهراً او باطناً من خلال بعض الفضائيات التي تبحث عن الطشة .
ان اتخاذ قرار تجزئة المجزء دون التفكير بحجم وعِظم التحديات هو سلاح ذو حدين ، فأما ان يكون حالة صحية يتزايد فيها التنافس السياسي المشروع ، واما ان يكون قنبلة نووية تهدد بنسف العملية السياسية برمتها بذل الكثير من صناع القرار جهود استثنائية للمحافظة عليها، لذا استطيع وصف تلك الانقسامات بأنه تقصير وتنصل واضح عن مسؤولية ترميم اللحمة الوطنية والبيت العراقي ، وتدمير شامل لجميع المشتركات التي تدفع بأتجاه بناء دولة المؤسسات، واجهاض حلم بناء المشروع الوطني الذي اصبح الوقت اكثر من مناسب لتحقيقة، على اعتبار ان تنظيف حدقة العين من شوائب الغبار وانهاء حالة التشرذم السياسي لجمع الفرقاء السياسيين اصبح اليوم ضرورة حتمية وملحة ، لجعلهم تحت مظلة واحدة تؤمن بالتعددية والمساواة والعدالة الاجتماعية ، لجعلها ياكورة حسن نوايا وبادرة ايجابية ونقطة شروع حقيقية لانطلاق مشروع خلق الارادة السياسية ،بقرار حازم اما بالتحول الى النظام الرئاسي الذي ينهي جميع الخلافات والمساومات السياسية من اجل نجاح وديمومة التحالفات المستقبلية ، او البقاء على النظام البرلماني والخروج من التقوقع المحاصصاتي المستهلك لأعادة بناء عملية سياسية نقية يتخذ فيها القرار بالاغلبية !
انتهى …
خارج النص / جميع الكتل السياسية تؤمن بالاغلبية السياسية التدريجية، وفق اطر واليات نموذجية تستحق مراجعتها قبل الذهاب لتنفيذها !!!